ثقافة الاستهلاك والرفاهية الكذابة
بقلم – أميرة أسعد
علي الرغم أن أمريكا تشتهر بإعادة التدوير لبعض المواد مثل الزجاجات البلاستيكية والزجاجية والعلب المعدنية والورق بمختلف أنواعه، في إطار تبني أساليب صديقة للبيئة، إلا أنه من الجهة الأخرى معظم الشعب الأمريكي شعب مستهلك للسلع المعمرة التي من المفترض ألا تبلي بسرعة أو تنتهي فائدتها بوقت قصير، ويمكن الاستفادة منها على مدى السنوات، كما يمكن أيضا إصلاحها مثل السيارات والأثاث المنزلي والأجهزة الكهربائية من تليفزيونات وثلاجات وغيرها.
منذ حوالي شهر لدي صديق، تعرض لحادثة طريق وكانت بسيطة من وجه نظرنا، حيث أسفرت عن تلفيات في الجزء الخلفي من السيارة، موديل عام 2019 ، فتوقعنا أنه يمكن إصلاحها، ولكن فوجئنا بتكلفة إصلاحها أكثر بكثر مما كنا نتخيله، لأن الأيدي العاملة هنا غالية بعض الشئ، ولكن بعد أيام أرسل التأمين مندوبه ليقدر ثمن الإصلاحات، و المفأجاة أنه تم تقييم إصلاح التلفيات بما يسمي تالفة بالكامل، لمجرد صدمة بسيطة في السيارة، بمعني أنه سيتم إعدامها، و بيعها خردة، ولا يمكن إصلاحها، ولو أننا أعطيناها لعم محمد السمكري في أي شارع من شوارع مصر، ستخرج من تحت يده عروسة لا شيئ بها.
طبق هذا أيضا على الأجهزة الكهربائية من تليفزيونات وثلاجات وبوتاجازات، فأعتقد أن هذه الأجهزة في أمريكا عمرها الافتراضي ثلاث سنوات، ويتم تغييرها لأن قطع الغيار والأيدي العاملة للتصليح غالية جدا، فعندما تحسبها تعتقد أن شراء جديد أرخص وأسهل.
ومن جهة أخرى، يعتقد بعض الأشخاص، أن شراء وامتلاك المزيد من السلع الكمالية يجلب لهم السعادة الوهمية، وهي دليل على المكانة الاجتماعية المرموقة، وعندما تقرأ هذا الكلام ستظن أن الشعب الأمريكي أو الأوروبي يعيش الرفاهية على أكمل وجه، فهو يغير سيارته والأثاث والتليفزيونات كل ثلاث سنوات، ولكنه يظل غارقا طوال عمره في سيول الديون والأقساط والفائدة المستمرة.
فعندما تظن أنك أوشكت على سداد ديونك تعود وتبدأ من جديد في دين أخر.
ويصدر تقرير السلع المعمرة شهريا في الولايات المتحدة الأمريكية من مكتب الإحصاءات بوزارة التجارة، وخلال شهر يناير أظهرت البيانات تراجع طلبات السلع المعمرة في الولايات المتحدة بأكثر من المتوقع وبأعلي وتيرة منذ أبريل عام 2020 فتراجعت بنسبة %4.5.
ولكن باستبعاد معدات النقل والاتصالات، شهدت جميع الفئات الرئيسية الأخرى ارتفاعا في الطلبات وعلى رأسها أجهزة الكمبيوتر، حيث ارتفعت بنسبة 7% خلال الشهر، في حين شهدت معدات الآلات انتعاشا بنسبة 1.6% بعد انخفاض أكبر بنسبة 2.2% في ديسمبر.
ويعتبر تقرير السلع المعمرة من أهم البيانات التي يراقبها المستثمرون في العديد من الدول على الصعيد العالمي، حيث يعتبر أحد المؤشرات الرائدة على قوة أداء الاقتصاد ككل، ففي حالة زيادة طلبيات السلع المعمرة فأن هذا دليل على قوة الاقتصاد والطلب المحلي، وأما في حالة تراجعها فهذا يعني عدم زيادة مشتريات وإنتاج المستثمرين والذي يلقي بظلالة علي قيمة العملة المحلية.