روسيا وإيران.. وخريطة الصراع مع ألمانيا وإسرائيل
قراءة في إحدى دراسات معهد الأمن القومي الإسرائيلي
ترجمة وإعداد
أبوبكر خلاف – الباحث في الشؤون الإسرائيلية
نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي دراسة حول تطور العلاقات بين روسيا وإيران بغرض فهم الطفرة التي شهدتها علاقاتهما منذ حرب روسيا ضد أوكرانيا.
الدراسة التي أعدها باحثون من المعهد بالاشتراك مع باحثين من مؤسسة فريدريش نيومان الألمانية تعرض أيضًا خارطة طريق لتقويض العلاقات بين روسيا وإيران، وإضعاف تأثيرها الدولي، من خلال إنشاء علاقات وتحالفات مناوئة بين ألمانيا وإسرائيل.
وبحسب الوثيقة فإن مصالح كلا من ألمانيا وإسرائيل تلتقي في مواجهة مصالح روسيا وإيران:
أما عن مصالح ألمانيا: «فترى ألمانيا أن الغزو الروسي لأوكرانيا هو التهديد الرئيس؛ نظرًا لعواقبه على دول الناتو في الجانب العسكري، وعواقبه على اقتصاد أوروبا، وخاصة في جوانب الطاقة والغذاء، والخوف من الاستخدام الروسي للأسلحة النووية، كما ترى ألمانيا أن إيران تمثل مصدر إزعاج بسبب التقدم في برنامجها النووي، والمساعدات العسكرية الإيرانية لروسيا في العامين الماضيين»
وعن مصالح إسرائيل تقول الوثيقة: «ترى إسرائيل أن إيران هي التهديد الرئيسي لأمنها القومي، وترى في برنامجها النووي المتقدم تهديداً وجودياً محتملاً، وفي الوقت نفسه لا تزال إسرائيل تحاول الحفاظ على قنوات اتصال مع موسكو، خاصة في سياق النشاط الجوي لسلاح الجو فوق سوريا».
• العلاقات الروسية الإيرانية من العداء إلى الوئام
تعرض الوثيقة تطور العلاقات بين البلدين، إذ تقول الدراسة: «إن العلاقات بين إيران وروسيا وقبلها الاتحاد السوفيتي شهدت على مر السنين صعودًا وهبوطًا، نتجت عن اختلاف طبيعة الأنظمة وعن استغلال الفرص الجيوسياسية بشكل رئيس من جانب روسيا»
ففي السنوات الأولى لقيام الجمهورية الإسلامية، والتي حدث خلالها أيضًا الغزو السوفيتي لأفغانستان (1979-1989)، ساعدت إيران المجاهدين بالسلاح، وخاصةً في مقاطعة هرات، حيث توجد أقلية عرقية شيعية.
وخلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية، وعلى الرغم من إدعاء الحياد من الجانب السوفيتي، واصلت موسكو إمداد العراق بالأسلحة وفقا لاتفاقية الصداقة بين البلدين.
وتتابع الدراسة: هناك تطوران حدثا في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات مهدا الطريق لتحسين العلاقات بين البلدين: الأول، الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، ثم تفكك الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى إنشاء دول مستقلة في آسيا الوسطى والقوقاز، وبالتالي خلق منطقة عازلة بين إيران وروسيا وإلغاء الحدود البرية المشتركة.
التطور الثاني: حاجة إيران الماسة إلى الأسلحة المتقدمة التي لم تتمكن من الحصول عليها من الغرب، مما دفعها إلى اللجوء إلى روسيا التي كان اقتصادها في ضائقة شديدة، وصناعاتها العسكرية في حاجة إلى المال.
كما ساهم اختفاء المخاوف الروسية من احتمال محاولة إيران “تصدير الثورة” إلى الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز في التقارب بين البلدين.
وكان الشخص الذي عزز العلاقات بين روسيا وإيران بشكل كبير هو الرئيس بوتين نفسه، الذي وقع في عام 2001 اتفاقية تعاون مع الزعيم الإيراني خامنئي، والتي بموجبها قامت روسيا بتسريع بيع المعدات العسكرية لإيران.
كما فتح قرار الشركات الألمانية بالخروج من مشروع محطة بوشهر الإيرانية الباب لتحل مكانها شركة روساتوم الروسية.
• التعاون العسكري في سوريا.. مرحلة جديدة في العلاقات
وعلى خلفية هذا التعاون المكثف وطويل الأمد، وجدت الدولتان نفسيهما في مرحلة جديدة من التعاون العسكري، عندما تعلق الأمر بمساعدة الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية والحرب ضد تنظيم داعش.
فبعد سلسلة من الخسائر التي مُني بها النظام السوري، أثارت الخوف الروسي والإيراني من خسارة بشار الأسد للحرب، اتخذت الدولتان قراراً استراتيجياً بإنقاذه من خلال تعاون عسكري غير مسبوق بينهما، وأدى هذا التعاون إلى تغيير جذري في ساحة المعركة، فقد أوقف تقدم “المتمردين”، وعزز سيادة الأسد في المناطق الرئيسية في البلاد، وأنقذ الأسد من الانهيار التام وسمح له بالحفاظ على حكمه في سوريا.
وقد سمح بقاء الأسد في السلطة لكلا البلدين بتحقيق مصالحهما الأمنية الأساسية في سوريا، فبالنسبة لروسيا: الحفاظ على وصولها إلى البحر الأبيض المتوسط من خلال قاعدة طرطوس البحرية، وبالنسبة لإيران: بناء موقع عسكري في سوريا حتى تتمكن من الاستمرار في استخدام أراضيها لنقل أسلحة متطورة إلى حزب الله وتهديد إسرائيل من خلال الميليشيات الشيعية التي جلبتها إلى سوريا، فضلاً عن بناء ميليشيات محلية.
• مصالح استراتيجية مشتركة
العلاقات العسكرية والأمنية الواسعة التي قامت بين روسيا وإيران منذ الحرب في أوكرانيا كانت عاملا مهمًا في تشكيل العلاقة الأمنية بين البلدين، ولكن هناك أهدافًا أخرى لهذا التعاون تتجاوز الحرب – بحسب الوثيقة –
“العقيدة البحرية” الجديدة لروسيا التي نشرتها موسكو في يوليو 2022، التي تتناول طموحات موسكو لتصبح قوة بحرية كبرى، تذكر صراحة إيران كجزء من الأولويات في المحيط الهندي، ثم ذكرت الجمهورية الإسلامية إلى جانب الهند والعراق والسعودية كدول رئيسية يجب على روسيا تطوير العلاقات معها من أجل تحقيق مصالحها البحرية، كما تشير العقيدة الروسية بوضوح إلى ضرورة التواجد البحري في الخليج العربي.
كما تؤكد العقيدة البحرية الجديدة لموسكو على مكانة سوريا الخاصة في خطط روسيا لترسيخ نفسها كقوة كبرى في المجال البحري، ومن هنا أهمية التعاون مع إيران للحفاظ على حكم بشار الأسد.
وعلى الساحة السياسية في إيران: حافظ الحرس الثوري على اتصالاته مع المؤسسة الأمنية الروسية، وليس من قبيل الصدفة أن يكون سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، هو من يذهب للقاء الرئيس بوتين في موسكو.
وكان القرار الاستراتيجي الذي عبر عنه الرئيس رئيسي بشأن “التوجه شرقا” تعبيرًا عن القرار الذي اتخذته القيادة الإيرانية بقيادة المرشد الأعلى، ، ويعكس عدم الثقة في آفاق تعزيز العلاقات مع الغرب. ولذلك، ليس من المستغرب أنه في بداية الحملة في أوكرانيا، أعربت إيران عن دعمها العلني لمعارضة روسيا لتوسيع الناتو – وهو أحد الأسباب التي قدمتها روسيا لمهاجمة أوكرانيا – وهو الدعم الذي كرره الزعيم الإيراني خلال زيارة الرئيس بوتين إلى إيران في يوليو 2022 .
• التعاون العسكري بين البلدين منذ الحرب في أوكرانيا
أدى القرار الاستراتيجي الذي اتخذته إيران بالوقوف إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا إلى نقل العلاقات بين البلدين إلى مرحلة نوعية جديدة وخاصة في العامين الماضيين.
فقد أصبحت إيران موردًا أساسيًا لروسيا من مجال الطائرات بدون طيار، الذي تفتقر فيه موسكو، مما يمكن روسيا من مواصلة حرب الاستنزاف التي تخوضها ضد أوكرانيا، إلى جانب توريد الذخائر والصواريخ وقذائف المدفعية.
وتم تنفيذ معظم الإمدادات عبر شركات الطيران الحكومية، ويمر جزء منها عبر بحر قزوين.
وقد أثبتت الأشهر القليلة الماضية أيضًا أن الأمر لا يقتصر على تدفق الأسلحة من إيران إلى روسيا في اتجاه واحد فحسب، بل في الاتجاه المعاكس أيضًا.
وفقا للإيرانيين أنفسهم، هناك عقد لشراء طائرات سوخوي، وبحسب التقرير، فإن إيران تقوم بالفعل بإعداد قاعدة تحت الأرض للطائرات ويتدرب أفرادها في روسيا، ومن المقرر عقد صفقات أسلحة إضافية بين البلدين، مثل إمكانية بيع نظام الدفاع الجوي S-400 لإيران.
كما أرسلت روسيا إلى إيران معدات مصدرها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، والتي تم الاستيلاء عليها في ساحة المعركة في أوكرانيا، ، فقد أثبتت صناعة الدفاع الإيرانية أنها ماهرة في الهندسة العكسية وإنتاج أسلحتها الخاصة بناءً على التكنولوجيا الأمريكية.
كما تشير الدراسة إلى العلاقات الوثيقة بين روسيا وإيران في المجالات التي كانت تعتبر في السابق من المحرمات، مثل التعاون بشأن القضية السيبرانية، فقد زودت موسكو طهران بأدوات إلكترونية متقدمة من شأنها تحسين قدراتها الدفاعية وحتى السماح لها بإتقان أدواتها الهجومية.
• العلاقات على خلفية الحرب في غزة
في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وقفت روسيا بوضوح إلى جانب حركة حماس وامتنعت عن إدانتها، ووفقًا لرواية بوتين، فإن الحرب بين إسرائيل وحماس هي جزء من صراع روسيا ضد الهيمنة الأمريكية العالمية، حتى أنه أعلن أن “مصير روسيا ومستقبل العالم أجمع والشعب الفلسطيني سيتحدد على الجبهة الأوكرانية”.
وبعد اندلاع الحرب، توطدت العلاقات بين روسيا وحماس، واجتمعت وفود حماس مع مسؤولين روس كبار، وقال موسى أبو مرزوق – القيادي في حماس – إن “روسيا هي الصديق الأقرب لحماس”، ونشرت الحركة رسالة شكر لروسيا وبوتين على دعمهما.
وبحسب التقرير فإن هناك أدلة على وجود أسلحة روسية في أيدي حماس، بما في ذلك صواريخ مضادة للدبابات، وصواريخ أرض جو، وغيرها، والتي يبدو أن إيران نقلتها لحماس. وفيما يتعلق بالموقف تجاه إسرائيل، تقول الدراسة: “على الرغم من الخطاب القاسي المناهض لإسرائيل، فإن روسيا لا تتدخل في الهجمات الإسرائيلية في سوريا، ويجب الافتراض أن هذا الموقف لا ينبع فقط من الرغبة في الحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل، ولكن ينبع أيضًا من الخوف من التحركات العسكرية الإسرائيلية المحتملة، والتي لن تتردد في هذه الحرب المهمة في الإضرار بالأصول الروسية، التي من شأنها أن تعيق أنشطتها ضد إيران وحزب الله في سوريا”.
• مستقبل العلاقات بين روسيا وإيران
ويقدر جميع المعنيين بالعلاقات الروسية الإيرانية أن مصالح البلدين في السنوات المقبلة ستتطلب استمرار التعاون بينهما، بل وتعميقه.
وعلى الرغم من التحديات التي يواجهانها في نفس المعسكر الذي يعاني من العقوبات الغربية والعزلة السياسية من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فإنهما يحتاجان إلى بعضهما البعض ويمكنهما تسجيل إنجازات مهمة من خلال تعزيز تعاونهم – بحسب الوثيقة -. وفي المجال الاقتصادي أيضاً، يتوقع الباحثون المزيد من التحركات لتوثيق التعاون، خاصة في مجال تجاوز العقوبات، فقد التزمت روسيا وإيران بربط أنظمتهما المصرفية للالتفاف على العقوبات المفروضة عليهما من خلال نظام سويفت، وتهتم شركات النفط الروسية بتصدير النفط والغاز إلى إيران بالقطارات، بسبب ارتفاع رسوم التصدير بحرًا.
• خطة عمل مشتركة بين ألمانيا وإسرائيل للتعامل مع التهديد المشترك
وينصح الباحثون في نهاية الدراسة باتباع “نهج حازم لتغيير المسار الاستراتيجي الذي اختارته روسيا وإيران، وأصبح من الواضح بشكل متزايد أنه بدون معالجة جادة لبناء القوة التقليدية الإيرانية والنظر في عمق علاقاتها الأمنية مع موسكو، فإن الخطر من جانب طهران سوف يتزايد”. ثم تعرض الوثيقة نصائح استراتيجية لكلا من ألمانيا وإسرائيل للتعامل مع روسيا وإيران بناء على المعطيات السابقة في عدة عناصر، أهمها:
• تعميق التعاون الأمني والاستخباراتي بين إسرائيل وألمانيا، بما يتماشى مع عمق ومكانة التعاون بين طهران وموسكو.
• بناء قدرات تكنولوجية متبادلة تهدف إلى تقويض القدرات الجديدة التي يمكن تطويرها نتيجة للتعاون العسكري بين روسيا وإيران.
• الضغط المنسق على الدول التي تخشى تعزيز القوة التقليدية الإيرانية، مثل دول الخليج، بحيث تمارس الضغط على موسكو لتقليص علاقاتها مع إيران.
• التنسيق في المنظمات الدولية لزيادة الضغط السياسي على إيران وروسيا.
• العمل معًا لتعزيز التحالفات مع دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا التي تسعى موسكو وطهران لتعزيز تحالفها معها.
• من الضروري دعم وتعزيز الأصوات الإيرانية المعارضة للتحالف مع روسيا.
• العمل معًا لننقل إلى الدول المتضررة من التحالف الإيراني الروسي خطورة توتر العلاقة بين طهران وموسكو (على سبيل المثال: السعودية التي تعمل على تنسيق أسعار النفط مع موسكو).