أخبارتقارير و تحقيقاتسياسةعربي و دوليمقالات

نظرة على الوضع السوري بعد سيطرة المعارضة على «حلب»

شبكة مراسلين
بقلم الدكتور أحمد أحمد

لقد كان السقوط السريع لمدينة حلب وما جاورها مع الانسحاب السريع للجيش السوري وانهيار جميع نقاط دفاعاته مفاجئاً للمعارضة السورية أكثر مما فاجأ أنصار النظام السوري.

من أجل تحليل ما يجري وتوقع مآلاته لا بد من النظر إلى القوى الموجودة في سوريا والقوى الإقليمية المؤثرة والمعنية بما يجري على الأرض السورية.

قوات المعارضة

وهي قوات تنتمي إلى مشارب دينية وسياسية مختلفة، ولا يوحدها إلا هدف إسقاط نظام الأسد. وقد كان اختلاف واقتتال أطرافها سبباً رئيسياً لفشلها قبل عدة سنوات، فهل تعلموا الدرس؟ 

كذلك يُحسب ضد بعض أطراف المعارضة مسار الثأر والانتقام من عرقيات وطوائف محسوبة على النظام مما أضعف موقفها الأخلاقي والسياسي أمام الكثيرين، فهل تعلموا الدرس؟

حتى هذه اللحظة سمعت توجيهات على قنوات المعارضة السورية تطالب باحترام حقوق المدنيين من جميع المذاهب والأديان والعرقيات، ولعل الصورة التي تصلنا من حلب حتى الآن توحي بنجاح هذه الجهود في منع تكرار أخطاء الماضي. 

يبقى التحديان الرئيسيان أمام قوات المعارضة في حلب هما كيفية التعامل مع القوات الكردية المتبقية في حيين من أحياء حلب، فالأمل هو إمكانية التوصل إلى حل سلمي دون اقتتال شعبي داخل المدينة، والتحدي الثاني هو النجاح في إدارة مدنية ناجحة للشؤون الحياتية اليومية لجميع المواطنين وتوفير كافة احتياجاتهم.

فيما يخص التقدم السريع باتجاه شمال حماة فهذا له إيجابية رفع المعنويات لمقاتلي المعارضة وإحباط قوات النظام، ولكنه أيضاً يحمل خطورة السيطرة على مناطق واسعة دون وجود قوات كافية قادرة على تثبيت السيطرة على الأرض لمدة طويلة. توجد بوادر لحراك عسكري معارض في درعا فإن تم ذلك فهذا سيشكل ضغطاً شديداً على النظام السوري.

جيش النظام السوري

باعتقادي أن الجيش السوري لم يعلن استسلامه ولم يتفكك ولكنه انسحب بسبب الضغط المفاجئ والشديد مع عدم تدخل سلاح الجو الروسي لدعمه، فما كان منه إلا الانسحاب إلى مناطق تشكل حاضنة شعبية له أو على الأقل عدائية بشكل أقل. ومن هناك سيبدأ الإعداد لهجوم مضاد، فهل سينجح في ذلك؟

أهم عوامل ضعف الجيش السوري حالياً هي الوضع النفسي لجنوده، الوضع الاقتصادي المنهار الذي أثر على نفسية أفراده وعدته وتدريبه وأسلحته القديمة وطائراته القديمة،… ولذلك لا أعتقد بأنه سينجح في استعادة هذه المناطق التي خسرها بدون حصوله على دعم قوي وإسناد من حلفائه فهل سيهبون لنجدته؟

المليشيات الداعمة للجيش السوري

وهذه تتلخص في قوات حزب الله وهي محدودة على الأرض السورية، والفاطميون من أفغانستان والزينبيون من باكستان والحشد الشعبي العراقي. 

لا أعتقد بأن حزب الله قادر أو سيقوم بنقل قوات كبيرة إلى داخل سوريا كما فعل قبل عدة سنوات بسبب الوضع في جنوب لبنان والضعف الذي حصل بسبب تدمير قسم كبير من ترسانته العسكرية منذ السابع من أكتوبر، ولكن في حال استشعر الحزب خطورة حقيقية على بقاء النظام السوري فإنه لا بد أن يستعمل جميع أوراقه في سوريا. 

الحشد الشعبي العراقي نقل فرقتين قرب الحدود السورية ولكنه بعيد جغرافياً عن منطقة الشمال الغربي السوري ويفصل بينه وبينها قوات أمريكية وكردية تتمركز شرقي الفرات، ولذلك لا أعتقد أنه سيكون له دور محوري فيما يجري.

قوات الفاطميين والزينبيين تعمل تحت القيادة المباشرة للجيش السوري هجوماً وانسحاباً، ولعل مشاركتها الرئيسية ستكون في تأمين مناطق معينة ذات أهمية استراتيجية على محاور الطرق المؤدية إلى المناطق العلوية شرق اللاذقية والمراقد الدينية في عدة مدن سورية.

إيران

تحاول إيران قدر المستطاع عدم الانجرار إلى أي حرب مباشرة مع أي طرف، كذلك هي منهمكة في محاولة تحضير وترتيب أوراق مفاوضاتها النووية ورفع العقوبات خصوصاً مع قدوم ترامب إلى البيت الأبيض، أضف إلى ذلك محدودية وجودها العسكري في سوريا والذي أعاقت الضربات الجوية الإسرائيلية تثبيت أقدامه في سوريا، لكنها في نفس الوقت ستبذل جهدها على الأقل دبلوماسياً لمنع سقوط حليفها في دمشق.

روسيا

لا أبالغ بالقول بأن روسيا هي الدولة الأكثر قدرة على وقف هذا التقدم لقوات المعارضة السورية عبر قصف مكثف وأحزمة نارية وسياسة الأرض المحروقة التي سبق وانتهجتها من قبل عند تدخلها لصالح النظام لتمنع انهياره قبل عدة سنوات.

حتى الآن لا يبدو بأن روسيا تتدخل لصالح النظام، وهذا البرود في الرد على ما يجري قد يكون من أسبابه:

١ – أولوية المجهود العسكري للحرب ضد أوكرانيا

٢ – تأجيل التدخل إلا إذا حدث أي تهديد للمصالح الروسية في سوريا كمناطق الساحل حيث القاعدة البحرية وقاعدة حميميم الجوية

٣ – تأجيل التدخل إلا إذا أصبح بقاء النظام السوري في خطر

٤ – وجود صفقة روسية أمريكية تقضي بعدم التدخل الروسي في هذه المرحلة مقابل مكاسب في قضايا أخرى تهم الجانبين

٥ – وجود تفاهمات تركية روسية تقضي بالسماح بهذا الحراك، بحيث لا يتجاوز خطوط حمراء وضعها الروس، مما سيسرع في الضغط على النظام السوري لإعادة العلاقات مع تركيا والتي فشلت رغم الوساطة الروسية، وهذا يقودنا إلى الدور التركي.

تركيا

أهم ما يقلق الجانب التركي هو تعاظم قوة الأكراد شمال سوريا، وتعزيز فرص حصولهم على حكم ذاتي دائم على حدود تركيا، لذلك ومع صعود ترامب الذي سبق له أن صرح بأنه ينوي سحب القوات الأمريكية من سوريا، عندها ستحتاج تركيا إلى التنسيق مع دمشق حول كيفية إنهاء قوة قسد (قوات سوريا الديمقراطية) الكردية، ومنع ظهور حكم ذاتي كردي يحتمي به معارضوها من حزب العمال الكردستاني، فهذا التنسيق والتفاهم بين أنقرة ودمشق أقل كلفة للجانب التركي من محاولة الحسم العسكري والدخول في معارك طويلة الأمد ضد الأكراد داخل الأراضي السورية. 

كذلك يواجه السياسيون الأتراك معضلة ازدياد التذمر عند بعض قطاعات الشعب التركي من تزايد اللاجئين السوريين وبقائهم في تركيا، لذلك توسيع منطقة نفوذ المعارضة السورية وإعلانها منطقة آمنة سيشرع في عودة مئات آلاف السوريين الموجودين في تركيا والذين تعود أصول أغلبهم إلى تلك المناطق الشمالية في سوريا.

الولايات المتحدة وإسرائيل

أكثر ما يعني إسرائيل في الموضوع السوري ثلاثة أمور: بقاء الهدوء في جبهة الجولان، ووقف إمداد حزب الله بالسلاح عبر سوريا، ومنع وجود عسكري إيراني على الأرض السورية.

لذلك إسرائيل معنية بالضغط على الأسد سياسياً وعسكرياً لتحقيق هذه الأهداف، وفي نفس الوقت ليس من مصلحتها السقوط السريع للنظام السوري مما يعني الفوضى الشاملة مما قد يهدد استمرار الهدوء في الجولان، ولكن إسرائيل لن تمانع في سقوط النظام السوري إذا كان هناك بديل ترتضيه وسيقوم بتحقيق أهدافها، ويستطيع الإمساك بزمام الأمور بحيث لا تنزلق سوريا نحن الفوضى الشاملة.

الولايات المتحدة كذلك لا تريد مثل هذه الفوضى، وتسعى لتثبيت تفاهمات مع روسيا حول مراعاة مصالح الطرفين وإنهاء الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا.

باعتقادي الشخصي فإن روسيا إن استطاعت الوصول إلى اتفاق مع أمريكا وإسرائيل وأطراف فاعلة في المعارضة السورية يحمي مصالحها فإنها لن تتوانى عن التخلي عن بشار الأسد والوجود الإيراني في سوريا.

موقف الدول العربية، وفي مقدمتها الدول الخليجية التي سبق لها التدخل في الثورة السورية

أصبح تأثيرها أقل ولم تعد كما كانت تمد المعارضة بالأسلحة والعتاد، حيث أصبحت تركيا هي الداعم الرئيسي.
قد تمتد يد المساعدة من بعض هذه الدول إذا تلقت الضوء الأخضر من أمريكا لفعل ذلك. وبعضها الآخر بدأ يفضل النظام السوري بالمقارنة بجماعات المعارضة الإسلامية، ولذلك فإنها ستدعم جهود النظام السوري في البقاء، ولكني لا أعتقد بأن تلك التي قد تدعم المعارضة او تلك التي ستدعم النظام سيكون لها دور مفصلي على المدى القصير في تغيير المعادلة على الأرض.

لذلك، على الرغم من أن الإنجازات العسكرية على الأرض تمنح المكاسب السياسية في المفاوضات إلا أن أثر المصالح الإقليمية والدولية له تأثير قوي جداً في الحالة السورية مما قد يؤدي بنا إلى مسارات غير متوقعة، والأيام القادمة ستكون حُبلى بالمفاجآت.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews