
شبكة مراسلين
✍ د . أنس الماحي
في زمنٍ تعصف به التحديات وتتبدّل فيه المعايير تبرز الحاجة إلى صحافة واعية، حرة، متجردة من الهوى، ومُهيأة بأدوات العصر ومن هذا المنطلق تكتسب الشراكة الصحفية الجديدة التي أعلنتها دولة قطر في إطار رئاستها للمجلس الاستشاري لشبكة محرري الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أهميةً بالغة لا باعتبارها اتفاقًا شكليًا أو إطارًا بروتوكوليًا، بل بوصفها رؤية استراتيجية لإعادة بناء بيئة إعلامية ناهضة، ومهنية، ومؤثرة في وجدان المجتمعات.
إن اختيار الدوحة عاصمةً للصحافة في الشرق الأوسط لعام 2025 ليس تكريمًا شكليًا، بل تقديرٌ لدور فاعل وموقف داعم لحرية الكلمة وتطوير الإنسان الصحفي، فقد اختارت قطر أن تضع اليد على مكمن التغيير الحقيقي وهو تمكين الصحفيين الشباب وتوفير بيئة متطورة تليق بطموحاتهم وآمالهم وما الشراكة القائمة بين مؤسسات قطرية وشبكة محرري الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلا ترجمة عملية لهذا الالتزام؛ حيث ستُقام ورشات عمل، ودورات تدريبية وزيارات ميدانية، تتمحور حول صحافة الحلول، وتقنيات الصحافة الرقمية، وأساليب التحقيقات الاستقصائية، إنها ليست مجرد ورش نظرية، بل هي محاضن لإعادة تشكيل العقل الصحفي العربي بمنهجيات عالمية ومعايير صارمة للجودة، والموضوعية والحياد.
تمثل هذه الشراكة نافذة أمل حقيقية للصحفيين الشباب في قطر والمنطقة العربية، فهي توفر لهم موارد تدريبية عالية الجودة، مما يُسهم في رفع كفاءاتهم المهنية وتفتح لهم أبواب التعاون الإقليمي عبر مشروعات إعلامية عابرة للحدود، وهو ما يكسر العزلة المحلية، ويُتيح التفاعل مع مدارس صحفية متنوعة.
كما تعزز من فرص التمكين المهني في زمنٍ تتزايد فيه هيمنة الإعلام الموجه والمنصات الرقمية، ما يجعل من المهارات التقنية ركيزة للنجاح والاستمرار، ولعل الأهم من كل ذلك، أنها تُعزز الثقة لدى الصحفي العربي بأن بإمكانه أن يكون فاعلًا لا تابعًا وشريكًا لا مجرد ناقلٍ للأخبار.
الإعلام العربي محاصر بالتسييس والهيمنة على المحتوى التدريبي من قبل جهات متعددة في مواقف مشابهة ، وهو ما قد يحدّ من التنوع في الرؤى والأساليب والخوف من تركّز بعض البرامج التدريبية في المدن الكبرى فقط، مما يُقصي الصحفيين من الأطراف أو المناطق المهمّشة أو الإفراط في التركيز على التقنيات الرقمية قد يُهمّش القيم التحريرية التقليدية مثل التوثيق، واللغة، والعمق التحليلي لكن رغم ذلك، تظل هذه السلبيات محتملة لا حتمية، ويمكن تجاوزها بالرقابة المهنية، والانفتاح، وضمان التعددية الفكرية داخل هذه البرامج.