ارتفاع الأسعار في مصر يهدد بقاء الفقراء وانهيار الجنيه يصيب السوق بشلل
كشف تقرير اقتصادي، اليوم السبت، نتائج استمرار ارتفاع الأسعار في مصر على الفقراء والطبقة المتوسطة، نتيجة انهيار الجنيه الذي أصاب السوق بشلل تام، بعد أن عجز السوق عن تلبية احتياجات الناس، وارتفاع سعر الخامات والسلع الغذائية بشكل جنوني، أدى لاحتكار بعض التجار للكثير من السلع الهامة، بسبب ارتفاع أسعارها، وسط حملة شعبية لمقاطعة هذه السلع، على رأسها الدواجن واللحوم.
وقال التقرير المنشور على صحيفة “العربي الجديد” السبت، إن حالة من الجنون أصابت أسعار اللحوم البلدية والمستوردة، مع بدء توزيع الذبائح على محلات الجزارة والأسواق التجارية والمولات، حيث راوح سعر الكيلو غرام من اللحوم ما بين 280 جنيها إلى 320 جنيها، بزيادة تقدر بنحو 50 جنيها عن الأسعار السائدة خلال الأسبوعين الماضيين، و100 جنيه عن الأسعار المعلنة حتى منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي.
وجاءت الزيادة أسرع مما توقعته شعبة الجزارين نهاية يناير الماضي، رغم تحذيرات شعبة اللحوم، من قلة المعروض، والمطالبة بسرعة تدخل الدولة، لاستيراد اللحوم الحية من السودان، وذبحها بالمجازر البلدية بالمحافظات، قبل أن ترتفع أسعار اللحوم إلى 300 جنيه، مع حلول شهر رمضان.
واضطر آلاف الجزارين للتوقف عن العمل، بينما دعت مجموعة منهم إلى إضراب جماعي لحين تهدئة الأسواق.
ويلقي تجار المواشي البلدية باللائمة على الحكومة التي تتجه إلى رفع سعر الدولار مقابل الجنيه يوميا، فترتفع معه أسعار تكلفة استيراد الأعلاف، وقيمة الجمارك، ومستلزمات التشغيل.
وفقد الجنيه نحو 75 في المائة من قيمته، منذ فبراير/ شباط 2020، حيث إن زيادة الدولار مع ندرة وجوده لموردي الأعلاف، رفعت سعر تكلفة شراء طن الأعلاف، ونفقات الأدوية والرعاية الطبية، التي تمثل 90 في المائة من تكلفة الإنتاج، عدا زيادة النقل والكهرباء والمياه والعمالة”.
وبين أن هذه الأوضاع تسببت في خسائر فادحة لتجار البيض على مدار الموسمين الماضيين، ورغم ارتفاع السعر حاليا، فإن المزارع مستمرة في تحقيق خسائر نتيجة انخفاض قيمة المبيعات عن التكلفة بنحو 10 في المائة، التي يتم تعويض بعضها من بيع مخلفات الدواجن ” السبلة” وبيع لحوم الأمهات البياضة، عند انتهاء دورة الإنتاج للبيض كل 18 شهرا.
يعتمد المنتجون للحوم الحمراء والدواجن والبيض على الأعلاف المستوردة بالدولار، الذي فقد أكثر من نصف قيمته حيث ارتفع مقابل الجنيه من 16 إلى 30.4 جنيها خلال 12 شهرا، ودفع نسبة التضخم في أسعار المستهلكين للارتفاع رسميا من 6 في المائة إلى 21.9 في المائة خلال نفس الفترة.
أدى التخفيض العنيف في قيمة الجنيه إلى زيادة معدلات الفقر بين 60 مليون مستهلك يعيشون بالقرب من أو تحت خط الفقر المحدد من قبل البنك الدولي في أبريل/ نيسان 2019. وتتجه زيادة الأسعار يوميا بعشرات الملايين من المصريين نحو الوقوع في براثن الفقر، مع عدم تدخل الدولة في حماية المنتجين أو تدبير بدائل كافية للمواطنين تحمي الضعفاء منهم وتعينهم على تحمل الضغوط الاقتصادية اليومية، بينما تسعى إلى خفض أعداد الفئات التي تحصل على دعم إلى 20 مليون شخص بدلا من 62 مليونا حاليا وفقا للاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي.
ويؤكد خبراء أن اكتفاء الحكومة بتهدئة الأسواق عبر حملات إعلامية وأمنية، دون حل لمشاكل المنتجين ودعم المستهلكين غير القادرين على تحمل تلك الأعباء، يأتي إذعانا لطلب صندوق النقد بأن تنتقل مصر إلى سعر صرف مرن دائم، ولذلك تلجأ إلى تخفيض قيمة العملة من أجل التعويم الكامل، الذي تشهده الأسواق، بينما موجات ارتفاع الأسعار ستظل مستمرة، بدون ضوابط ولا سقف.
يبدي خبراء مخاوفهم من ارتباط التضخم بسلاسل التوريد، التي تحتاج إلى الدولار، بينما تقف الحكومة عاجزة عن تدبيره إلا عبر المزيد من القروض وبيع الأصول العامة، دون أن تزيل العوائق أمام المنتجين لتدفعهم إلى مزيد من الإنتاج، تعمل على تهدئة الأسواق، وترفع معدلات التشغيل بما يساهم في امتصاص التضخم والأعباء عن الأسر غير القادرة على شراء مستلزماتها من الغذاء يوميا، والتي تقدرها دراسات بنحو 68 في المائة من تعداد المصريين.
وكانت قد تلقت الأسواق ضربة جديدة، بعد تخفيض وكالة موديز لخدمات المستثمرين التصنيف الائتماني لمصر من B2 إلى B3، بينما تسعى الحكومة إلى بيع سندات بنحو مليار دولار، بأعلى عائد في العالم، والجنيه في أدنى مستويات أدائه في سوق العملات الدولية. قالت الوكالة إن الاقتصاد المصري معرض بشكل متزايد للظروف العالمية الهشة، حيث تحاول الحكومة التحول إلى نموذج نمو أكثر توجها نحو التصدير يلعب في القطاع الخاص دورا أكبر مدعوما بنظام سعر صرف مرن، مع تقليص دور الدولة في الاقتصاد.
حذرت الوكالة من أنه “على الرغم من الالتزام الواضح بسعر صرف مرن تماما، لم يتم بعد إثبات قدرة الحكومة على إدارة الآثار المترتبة على التضخم والاستقرار الاجتماعي”، في ظل انخفاض احتياطي النقد الأجنبي السائل 26.7 مليار دولار، بحلول نهاية ديسمبر الماضي، بانخفاض من 29.3 مليار دولار، في ابريل 2022، وارتفع صافي الالتزامات الخارجية من 13 مليار دولار إلى 20 مليار دولار خلال نفس الفترة الزمنية.
تواجه الحكومة التزامات مالية كبيرة لخدمة الدين في المستقبل القريب، وفقا لموديز، تبلغ 200.4 مليار دولار في السنة المالية المقبلة 2023-2024، ترتفع بنحو 23.2 مليار دولار في العام التالي. تشتعل وسائل التواصل الاجتماعي باصطفاف نخبة من المصريين لمواجهة حالة التردي في مستوى المعيشة مع الغلاء اليومي في أسعار السلع الغذائية، والأسباب، وفقا لخبراء، سوء إدارة الحكومة المزمن للمالية العامة، وتجاهل الزيادة الكبيرة في حجم الديون الخارجية، الذي بلغ 5 أضعاف قيمته، وتدهور قيمة الجنيه، زيادة الدين العام إلى أكثر من الضعف خلال 7 سنوات، بما ينبئ باستمرار هذا التدهور في المستقبل المنظور.