التعليم العالي في لبنان لمن استطاع إليه سبيلا.. انهيار الليرة يحرم آلاف الطلاب من الجامعة
لبنان – رشا علي
بحزنٍ وترقبٍ شديدين تنتظر (ناريمان) صدور قائمة الدفعات الجديدة في الجامعة اللبنانية الدولية الخاصة LIU بعد أن تخطى الدولار لعتبة ال ٦٠ ألفاً الأسبوع الفائت.
“عايشين على أعصابنا” تقول بيأسٍ بعد أن أصدرت الإدارة قائمة الدفعات للفصل الجديد المقرّر انطلاقه في العشرين من شباط القادم وتراجعت عنها في اللحظة الأخيرة، إذ لم يعد بمقدور الطلاب إيجادها أو الإطلاع عليها على السيستم. ” الآن ننتظر أنا وأصدقائي بحالة توتر شديدة وتفكيرٍ دائم بمصيرنا، كم سندفع هذا الفصل ياترى؟ وهل سنستمر أم ماذا”، وتضيف: “لم يبقَ قطاع في لبنان إلا وقد انهار وعلى ما يبدو جاء دور قطاع التعليم الخاص، سيقضون عليه أيضاً ويغلقون الأبواب في وجوهنا”
يُذكر أن الطلاب في الجامعة اللبنانية الدولية يدفعون قسم من القسط بالعملة اللبنانية على سعر صيرفة 6 آلاف ليرة لبنانية والمقترح رفعه إلى سعر15,000 ليرة، والقسم الآخر بالدولار الأمريكي، وذلك حسب جدول الأسعار الذي أعلنته الجامعة بداية الفصل الدراسي السابق 2022، وفيما يلي جدول يوضح الفارق الكبير بين السنوات السابقة على دولار 1.500 ل.ل ودولار اليوم الذي بدأ يقفز ويتجاوز الستين ألفاً ليرة لبنانية.
After/ بعد | Before/ قبل | 1 year of/ سنة دراسية واحدة من |
2,520$ + 49,464,000 L.L | 26,380,000 L.L | Pharmacy |
8,25$ + 28,512,000 L.L | 13,670,000 L.L | Education |
900$ + 31,104,000 L.L | 14,905,800 L.L | Translation & interpretation |
1,190$ + 36,720,000 L.L | 18,963,000 L.L | Computer science & IT |
1,560$ + 38,000,000 L.L | 18,900,000 L.L | Engineering |
1,225$ + 30,000,000 L.L | 14,400,000 L.L | Business & Management |
الجامعة اللّبنانية الدولية liu في صيدا
وإلى جانب ناريمان تأتي براء محمد الصالح، 23 عاماً، وهي لاجئة فلسطينية في لبنان كانت قد تركت دراستها لهذا العام في اختصاص راديو وتلفزيون بسبب ارتفاع القسط عمّا كان عليه في السابق،
تقول براء لشبكة محرري الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: ” كنت سابقاً طالبة في الجامعة اللبنانية لكنني لم أتأقلم مع نظام تعليمها في ظل أزمة كورونا و التدريس أونلاين مع اعتماد أسلوب التلقين، إضافة إلى كثرة تكرار إضراب الأساتذة. انتقلتُ إلى الجامعة الخاصة التي وجدت فيها ملاذاً من كل ذلك، لكن للأسف، ارتفاع القسط المتزايد حال دون استكمال حلمي”
وتضيف: ” أنا لن أستسلم حتّى ولو توقفت هذا العام عن إكمال تعليمي، بل سأسعى جاهدة إلى تأمين المبلغ أو تأمين منحة تساعدني في الاستمرار السنة القادمة أو ربما التي تليها. “
ليست ناريمان وبراء استثناء: فغالبية الطلاب الجامعيين في لبنان يعانون اليوم من مشكلة الإستمرار، حتّى على صعيد الجامعة اللبنانية الرسمية التي تعاني من تدهور مستمر ودائم.
فمنذ العام ٢٠١٩ ومع انطلاق الاحتجاجات اللبنانية وبداية ارتفاع سعر صرف الدولار أصبح التعليم عقبة في وجه الطلاب والأساتذة، كما شكّل أحد التحديات الأساسية ضمن موازنة الدولة.
يبلغ عدد المؤسسات الخاصة للتعليم العالي في لبنان قرابة ٤٧ مؤسسة موزعة بين معاهد وجامعات في عدة فروع على كافة أراضيها، في حين يوجد مؤسسة رسمية واحدة للتعليم العالي المجاني وهي الجامعة اللبنانية والتي يصل عدد فروعها إلى خمسة فروع فقط موزعة بين بيروت وصيدا وطرابلس وزحلة، ما يشكل تحدياً آخر يحول من دون وصول الطلاب إلى كلياتهم واضطرارهم إلى التسجيل في الجامعات الخاصة القريبة من محيطهم، ناهيك عن عدم توافر الاختصاصات كافة في الفرع الواحد التابع للجامعة اللبنانية، هذا في السابق، فكيف اليوم أمام الانهيار الاقتصادي وارتفاع سعر المحروقات وبالتالي ارتفاع تكلفة المواصلات المتزايدة وغير الثابتة والتي تشكل عبئاً وتحدياً آخرين على الطلاب والأهالي والأساتذة أيضاً.
المواصلات تعيق حضور الطلاب
تعاني سارة حمزة، طالبة في الجامعة اللبنانية في بيروت من المشاكل نفسها، حيث اضطرت إلى ترك دراستها في جامعتها الخاصة جامعة العلوم والآداب اللبنانية USAL والتسجيل في الجامعة اللبنانية الرسميّة التي تعتبر أقل تكلفةً، لكنها غالباً ما تضطر إلى البقاء في بيروت لتخفيف عبء المواصلات عنها.
أما محمد القصير وهو طالب لغة عربية في الجامعة اللّبنانية في صيدا الفرع الخامس، يعيش في قرية بعيدة عن الجامعة تسمى عيتيت شرق صور، وهو لاجئ سوري ذو دخلٍ محدود بالكاد يكفيه وأسرته ما يضطره إلى التغيّب وعدم الحضور بسبب ارتفاع تكاليف وصوله وعدم القدرة على تأمينها، يقول محمد: ” أقطع ثلاث قرى للوصول إلى صور ومن ثم أنتقل من صور إلى صيدا، وأدفع مايقارب ٦٠٠ ألف ليرة لبنانية عن كل يوم حضور، هذا إضافة إلى عبء تأمين كتب الجامعة المرتفعة الأسعار والتي يأبى الكثير من الأساتذة عن إرسالها بصيغة إلكترونية تسهيلاً لوضع الطلاب” ويضيف القصير: “إن الوضع صار كارثي وإذا ما بقي هكذا فسيخسر نصف الطلاب أو أكثرهم تعليمهم ويتركون الجامعة”
وفي السياق ذاته كانت قد طالبت رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية وزارة التربية الأسبوع الفائت بإعادة النظر في التعليم الحضوري والعودة إلى التعليم عن بعد وإلّا ستعاود إضرابها المفتوح.
مبنى وزارة التربية والتعليم العالي في بيروت
ويذكر أن معدل الأجور في لبنان قد انخفض بنسبة كبيرة إثر هبوط العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي، وتآكلت رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص ولم تعد تكفي لتأمين الحاجات الأساسية كالطعام والدواء والكهرباء، كما فقدت رواتب الموظفين 97% من قيمتها، وبلغت نسبة الفقر 74% في البلاد وفقاً لدراسة صادرة عن الأمم المتحدة في العام 2021.
في ظل كل هذه المعطيات والفقر الذي يعانيه الشعب والطلاب في لبنان من مواطنين/ات ولاجئين/ات ، وفي الوقت الذي يعد التعليم حقاً من حقوق الإنسان الأساسية ومندرجاً ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وسعي غالبية الدول إلى تطويره وتأمينه بشكل مجاني يبقى لبنان عالقاً في دوامة العجز عن تأمينه في ظل الأزمة الاقتصادية التي تفتك به. فما هو مستقبل التعليم الجامعي في لبنان؟ وإن كان التعليم عن بعد يحل جزءاً من أزمة طلاب الجامعة اللبنانية فما مصير طلاب الجامعات الخاصة مع استمرار تزايد الأقساط بارتفاع الدولار؟