مفاوضات في الشمال وانقلاب في الجنوب… اليمن إلى أين؟

أمل صالح- مراسلين
بينما يتحرّك ملف المفاوضات حول تبادل الأسرى بين جماعة أنصار الله الحوثيين والحكومة المعترف بها دولياً، يتسارع المشهد في الجنوب نحو مزيد من التعقيد، في صورة تعكس حجم الانقسام السياسي والعسكري الذي يهدد مستقبل اليمن.
فقد أخفقت مساعي وفد سعودي–إماراتي رفيع المستوى في كبح توسّع المجلس الانتقالي الجنوبي، بعد رفضه الانسحاب من محافظتي حضرموت والمهرة، رغم محاول الوفد الزائر لعدن يوم الجمعة الوصول لمخرج للأزمة.
المجلس الانتقالي، المدعوم إماراتيًا ويقوده عيدروس الزبيدي، تمسّك بمكاسبه الميدانية الأخيرة، رافضًا أي تراجع، في وقت أكد فيه الوفد الخليجي ضرورة الانسحاب واحتواء التصعيد، مع الإبقاء على قنوات التفاوض مفتوحة دون نتائج ملموسة حتى الآن.
وخلال الأيام الماضية، وسّع المجلس سيطرته على مناطق واسعة في المحافظات الجنوبية، مبررًا تحركاته العسكرية بأنها تستهدف “مكافحة التهريب وطرد الجماعات الإسلامية”.
وتقدّمت قواته نحو محافظة حضرموت، التي تضم نحو 80% من الثروة النفطية في البلاد، حيث اندلعت مواجهات مع حلف قبائل حضرموت، انتهت بسيطرة المجلس على مدينة سيئون وعدد من الحقول النفطية في المناطق الصحراوية المحاذية للسعودية.
في المقابل، أعلنت هيئة الأركان التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا أن عمليات المجلس الانتقالي أسفرت عن مقتل نحو 32 شخصًا وإصابة العشرات، في مؤشر على خطورة التصعيد العسكري وانعكاساته.
ولكن ماتسمى بالقوات المسلحة الجنوبية نفت في بيان لها ما جاءت به هيئة الأركان الحكومية متهمة إياها بتزييف الوقائع وقلب الحقائق.
وأضاف البيان أن هذه الاتهامات تأتي في الوقت الذي تبذل فيه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الجهود والإمكانات لتوحيد الصفوف، وأضاف “إننا، ونحن ننفي و نرفض وندين هذا الادعاء الكاذب و التضليل المتعمد، نؤكد أن قواتنا المسلحة الجنوبية تؤدي واجباتها الوطنية والمسؤوليات الملقاة على عاتقها في ميادين القتال وفق قواعد الاشتباك المعتمدة، وملتزمة التزامًا صارمًا بالقانون الدولي الإنساني وأخلاقيات الحروب”.
مسار موازٍ في الشمال
على الضفة الأخرى، تستضيف سلطنة عمان محادثات بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) والحكومة المعترف بها دوليًا، تركز على ملف تبادل الأسرى وفق مبدأ “الكل مقابل الكل”.
ووصف نائب رئيس الهيئة الإعلامية للحوثيين، نصر الدين عامر، أجواء مفاوضات مسقط بـ”الإيجابية”، مؤكدًا استمرار المشاورات برعاية الأمم المتحدة والمبعوث الأممي هانس غروندبرغ، دون الخوض في تفاصيل إضافية.
وكان مصدر حكومي في حكومة عدن، قد أعلن، الجمعة، انطلاق جولة جديدة من مشاورات تبادل الأسرى، في إطار الهدنة القائمة منذ أبريل 2022، والتي أوقفت جزئيًا حربًا مستمرة منذ أكثر من 11 عامًا.

رفض المفاوضين
قوبلت المفاوضات الجارية في مسقط برفض واسع من صحفيين ومعتقلين سابقين في سجون الحوثيين، في ظل تصاعد الانتقادات لطبيعة الأطراف المشاركة فيها. وفي هذا السياق، دعا الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) الأمم المتحدة إلى الاستبعاد الفوري لكل من عبدالقادر المرتضى، رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى لدى الحوثيين، ونائبه مراد قاسم، من المفاوضات الخاصة بالمختطفين والمحتجزين في اليمن.
وأكد الاتحاد في بيان رسمي أن منح الشرعية لأشخاص متورطين في التعذيب والإخفاء القسري أو إساءة معاملة الصحفيين أمر غير مقبول، ويتعارض بشكل مباشر مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.
وأوضح البيان أن الحوثيين، رغم التحذيرات المتكررة من المنظمات الدولية، واصلوا انتهاك الاتفاقيات والمعايير الدولية المتعلقة بمعاملة الأسرى، محذرًا من أن إشراك أشخاص متهمين بانتهاكات جسيمة في مفاوضات ذات طابع إنساني يشكل سابقة خطيرة ويقوض مصداقية الأمم المتحدة ودورها كوسيط محايد.
يُذكر أن آخر عملية تبادل واسعة جرت في أبريل 2023، وأسفرت عن الإفراج عن نحو 900 أسير من الجانبين، بينهم سعوديون وسودانيون، بوساطة أممية ودولية. كما أفرج الحوثيون في يناير 2025 بشكل أحادي عن 153 أسيرًا.
ورغم غياب أرقام دقيقة، تشير تقديرات حقوقية إلى وجود نحو 20 ألف أسير ومعتقل لدى الطرفين.
مشهد معقد
في الوقت الذي تتعثر فيه جهود السلام الشامل، يتعمّق الانقسام الداخلي مع تصاعد مطالب المجلس الانتقالي بالانفصال، خصوصًا بعد سيطرته على حضرموت والمهرة، وبدء اعتصامات يومية تطالب باستعادة ما يُسمّى “دولة الجنوب العربي”.
ويرى مراقبون أن هذا المشهد ينذر بمزيد من التصدّع والتفكك، ويضع اليمن أمام مفترق طرق خطير.




