ترامب وبوتين في ألاسكا ..قمة “بناءة” أم إعادة رسم لمعادلة النفوذ؟

د . أنس الماحي
في مشهد غير مألوف من الجغرافيا السياسية اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ولاية ألاسكا الأمريكية، في لقاء استمر ثلاث ساعات، وُصف من الطرفين بأنه “بناء ومثمر”. القمة التي خُتمت بتصريحات متفائلة عن إمكانية تحقيق السلام في أوكرانيا، أثارت في الوقت نفسه أسئلة عميقة حول المصالح الخفية التي تقود ترامب إلى لعب دور الوسيط، ومدى صدقية الطرح الروسي، وما إذا كانت هذه الخطوة مجرد مناورة سياسية جديدة.
بوتين، في مؤتمره الصحفي المشترك مع ترامب، تحدث عن “تفاهُم” تم التوصل إليه يمكن أن يفتح الباب أمام تسوية النزاع الأوكراني. لكن الرئيس الروسي لم يقدم تفاصيل واضحة، تاركاً مساحة واسعة للتكهنات. أما ترامب، فاختار أن يضع الكرة في ملعب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، معتبراً أن “المسؤولية الآن تقع على عاتقه”، بل ذهب أبعد من ذلك حين دعا الدول الأوروبية إلى المشاركة “ولو قليلاً” في أي اتفاق مقبل، في تلميح يُفهم منه أن أولوية ترامب ليست بالضرورة في تعزيز الموقف الأوروبي بقدر ما هي في إعادة ترتيب التوازنات بما يخدم مصالحه.
اللافت في تصريحات ترامب هو تركيزه على أن القمة كانت “عشرة من عشرة”، وعلى أن “السلام بات قريباً”. هذا التفاؤل المفرط لا ينفصل عن الحسابات التي طالما تحرك ترامب الاقتصاد، الثروات الطبيعية، والنفوذ السياسي. وكما كتب أوين ماثيوز في التلغراف، فإن ترامب يرى النزاع الأوكراني من زاوية “المعادن والنفط والمال البارد”، ويستعد لتقديم “حوافز مالية” لبوتين لإنهاء الحرب. غير أن هذا المنطق، بحسب المقال، يغفل أن بوتين لا يسعى وراء المال فقط، بل ينظر إلى الحرب باعتبارها مشروعاً لإعادة ترسيم حدود النفوذ الروسي، وهو ما يجعل فكرة “رشوته” لإنهاء القتال وهماً سياسياً.
لكن خلف هذا الطموح الاقتصادي تكمن شكوك أكبر: شبهة التدخل الروسي في انتخابات 2016، التي ألقت بظلالها على ترامب طيلة فترة رئاسته. وإذا كان بوتين قد ساعد بشكل أو بآخر في صعوده السياسي، فإن محاولة ترامب الظهور اليوم كوسيط سلام قد تكون محاولة لإعادة صياغة صورته أمام الداخل الأمريكي، وإثبات أن علاقته مع موسكو ليست رهناً لماضٍ مُحرج بل مشروع نفوذ جديد يقوم على “الصفقات” التي يُجيدها.
اللافت أيضاً أن ترامب لم يخفِ تقليله من دور أوروبا في أي تسوية محتملة، حين قال إن على الدول الأوروبية “أن تتدخل قليلاً”. هذه الإشارة تكشف عن عقلية براغماتية ترى أن إشراك الحلفاء القدامى في القارة العجوز ليس إلا عبئاً أو خطوة ثانوية، ما يعكس مرة أخرى إرث ترامب في النظر إلى العلاقات عبر الأطلسي بمنظار الصفقات التجارية لا التحالفات الاستراتيجية.
قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين ليست مجرد محطة عابرة في سجال الحرب الأوكرانية، بل هي مرآة لمصالح متشابكة: بوتين يسعى لتثبيت نفوذه الجيوسياسي، بينما يحاول ترامب استثمار اللحظة لتعزيز صورته كصانع صفقات دولية، حتى لو كان ذلك على حساب حلفائه الأوروبيين. لكن ما بين “الحوافز المالية” التي يفكر فيها ترامب و”التضحيات الإقليمية” التي قد تُطلب من زيلينسكي، يبقى السؤال: هل ما جرى في ألاسكا بداية لسلام حقيقي، أم مجرد فصل جديد من لعبة النفوذ بين واشنطن وموسكو؟