موريتانيا تحتفل بمرور 65 عامًا على الاستقلال وترسخ مسيرتها الوطنية

بقلم : حامدن اسعيد
نواكشوط -تستعد موريتانيا في هذه الأيام لاستقبال عيدها الوطني والذي يوافق 28 من نوفمبر عام 1960، رفع علم الجمهورية الإسلامية الموريتانية للمرة الأولى معلنًا نهاية حقبة الاستعمار الفرنسي وبداية مسيرة دولة مستقلة.
تحتفل موريتانيا في 28 نوفمبر 2025 بالذكرى الخامسة والستين ليوم استقلالها، وهي مناسبة وطنية غالية تتجدد فيها مظاهر الفخر والاعتزاز بمسار كفاح طويل من أجل الحرية والسيادة.
شكلت موريتانيا محط أطماع استعمارية أوروبية منذ القرن الخامس عشر، حيث وصل البرتغاليون والهولنديون إلى سواحلها للحصول على الصمغ العربي. ومع مطلع القرن العشرين، واجهت فرنسا مقاومة شديدة من القبائل الموريتانية التي خاضت معها معارك ضارية مثل معركة “أم التونسي” عام 1932 التي فتك خلالها المجاهدون الموريتانيون بقيادة الشهيد سيدي ولد الشيخ ولد لعروصي بكتيبة عسكرية فرنسية.
وبعد ثلاثين عاماً من المقاومة المسلحة، تحولت موريتانيا إلى إقليم ما وراء البحار الفرنسي عام 1946، ثم حصلت على الحكم الذاتي الداخلي عام 1958 بعد استفتاء شعبي أيد بنسبة 84% الانتقال إلى جمهورية ذاتية الحكم.
وفي 28 نوفمبر 1960، أعلن الرئيس الراحل والأب المؤسس المختار ولد داداه -رحمه الله- الاستقلال الكامل للجمهورية الإسلامية الموريتانية بحضور وفود صحافية أجنبية وشخصيات فرنسية وإفريقية.
واجهت الدولة الفتية تحديات جساماً في بناء مؤسساتها الوطنية، حيث اجتمع أول مجلس وزراء لحكومتها بعد الاستقلال تحت خيمة صحراوية قبل أن يقرر الرئيس المختار ولد داداه بناء العاصمة نواكشوط.
وقد تولى ولد داداه، كأول رئيس للجمهورية، مهمة بناء الدولة وتوحيد البلاد ووضع أسس الاقتصاد الوطني الذي اعتمد أساساً على استغلال الحديد والقطاع الزراعي الرعوي.
واجهت موريتانيا أيضاً تحديات على الصعيد الإقليمي، حيث رفض المغرب الاعتراف بها دولة مستقلة لمدة تسع سنوات، واعتبرتها الرباط جزءاً من التراب المغربي، قبل أن تعترف بها رسمياً عام 1969 وتطبع العلاقات بين البلدين. كما انضمت موريتانيا إلى الأمم المتحدة عام 1961، وإلى جامعة الدول العربية عام 1973.
· المقاومة والاستعمار (1902-1960): بدأ الغزو الفرنسي الفعلي لموريتانيا عام 1902، وواجه مقاومة عنيفة انتهت عملياً باستشهاد الأمير سيد أحمد ولد أحمد عيدة في معركة وديان الخروب عام 1932.
· تأسيس الدولة (1960-1978): شهدت هذه الفترة قيادة المختار ولد داداه للبلاد، وإصدار العملة الوطنية، وتأميم شركات المناجم، ووضع الدستور، والانضمام إلى المحافل الدولية.
· التحولات السياسية (1978-2005): عرفت البلاد فترة من عدم الاستقرار السياسي مع سلسلة من الانقلابات العسكرية، قبل أن تضع دستوراً جديداً عام 1991 ينص على نظام التعددية الحزبية.
· التجربة الديمقراطية (2005-2019): شهدت أول انتقال سلمي للسلطة عام 2019 مع انتخاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
ظل يوم 28 نوفمبر من كل عام عطلة رسمية في البلاد، يجري الاحتفال به من خلال العروض العسكرية بمشاركة مختلف أفرع القوات المسلحة وقوات الأمن، وبحضور رئيس البلاد وقائد الأركان العامة للجيوش وأعضاء الحكومة والمسؤولين. وقد دأبت موريتانيا منذ عام 2015 على تنظيم الفعاليات المخلدة لذكرى الاستقلال في إحدى عواصم الولايات الداخلية، في إطار تعزيز الانتماء الوطني في جميع أرجاء التراب الموريتاني.
بعد 65 عاماً على الاستقلال، أصبحت موريتانيا “ديمقراطية تعددية تتمتع بالفصل الفعلي بين السلطات وتحترم الحريات الفردية والجماعية”، كما لعبت دوراً إقليمياً مهماً من خلال عضويتها المؤسسة في منظمة الوحدة الأفريقية وجامعة الدول العربية، ومشاركتها الفاعلة في مجموعة الدول الخمس في الساحل التي تعلق عليها آمال كبيرة في تحقيق السلام والتنمية المستدامة في المنطقة.
تبقى الذكرى الخامسة والستون للاستقلال محطة للتأمل في إرث كفاح طويل واستشراف لمستقبل يعزز مكاسب الدولة ويدفعها نحو آفاق أرحب من التنمية والاستقرار، في ظل تحديات إقليمية ودولية متجددة، وإرث تاريخي يحمل في طياته قيماً عميقة للصمود والسيادة.



