
رأينا خلال الأيام القليلة الماضية مشهدًا جديدًا، يشير إلى اختلال الرؤية والبوصلة، وإلى حجم الضعف والتخبط الذي أصبحنا فيه كقوة مدنية معارضة لنظام الحكم الحالي في مصر.
تأسس “التيار الليبرالي الحر”، كما أسموه، تحالف جديد لمجموعة من القوى السياسية والأحزاب والشخصيات العامة التي تجمعها المبادئ الليبرالية، و كرافد معارض جديد في مواجهة النظام، ثم فوجئت باختيار السياسي المصري المستقل هشام قاسم رئيسا لمجلس أمناء التيار الحر ومتحدثًا باسمه.
انتشرت الأخبار بعد ذلك حول تاريخ هشام قاسم ومواقفه وآرائه، وافترض البعض أن المعلومات المتداولة عن قاسم مصدرها الأجهزة الأمنية والإعلام الرسمي للدولة، (وهي في هجومها عليه لا تجرؤ على استخدام مواقفه حول اسرائيل و تكتفي بالسب و القذف عليه لموقفه المعارض) بهدف إبعاد قاسم عن المشهد السياسي ، وافترض البعض الآخر أن الأخبار و التي تم تداولها في البداية جاءت من موقع إسلام أون لاين في مقالات قديمة و بالتالي تم إشاعة أن جماعة الإخوان المسلمين تسعى لتشويهه (رغم انه مرحب به حاليا في قنواتهم) ولكن في الحقيقة أنه في خضم هذا النقاش الدائر، وصلني تقريرًا أعدّه بعض الأصدقاء المصريين الباحثين و الموجودين خارج البلاد (ولم أتشرف بالمشاركة في إعداده)، يوثّق المعلومات المذكورة بخصوص السيد هشام قاسم دون تحريف أو تأويل أو نقص، اعتمادًا على مصادر موثوقة من الإعلام الدولي، وبدوري قمت بإرسال هذا التقرير لعدد من السياسيين والنشطاء المصريين في الداخل والخارج وخصوصا أعضاء التيار الحر وأعضاء الأحزاب المشاركة فيه إيمانا بحقهم في اختيار ممثليهم و معرفة مواقف و آراء هؤلاء .
تُظهر المعلومات تاريخًا طويلًا لهشام قاسم من التطبيع والعلاقات المباشرة مع نظام الاحتلال الصهيوني، بل ويفخر بلقاء الصحفيين من دولة الاحتلال، بالتكريم من أعضاء اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، ويلتقي بجورج بوش الابن مجرم غزو العراق بكل ما شهدته من جرائم ضد الإنسانية، ويحرّض على المقاومة الفلسطينية واللبنانية بشكل دائم.
أؤمن بحق السيد هشام قاسم في التعبير عن رأيه الشخصي، وقناعاته التي أرفضها ، ومحاولة قلب الطاولة من خلال اتهامي بالتحريض على قاسم، هو ابتذال سخيف للبُعد عن المشكلة الرئيسية، فسأرفض دائمًا المساس بأي شخص أو قمعه بأي شكل بناءً على أفكاره، إيمانًا مني بمبادئ الحرية والديمقراطية، وفي نفس الوقت سأرفض وجود قاسم كواجهة في تحالف سياسي مصري، من المفترض أنه يعبّر عن تيار من المعارضة المصرية، وأصر على التمسك بمبادئ وقيم حاكمة.
لم يبد التقرير المنشور أي رأي تجاه قاسم، إنما عرض المعلومات والمواقف السابقة لقاسم كما هي، وترك الحكم للناس و للرأي العام، ربما يساعد هذا الأمر أعضاء التيار الليبرالي الحر في اختيار ممثليهم وقياداتهم بشكل يتوافق مع قناعاتهم وأهدافهم، بناءً على معرفة كاملة مواقفهم وآرائهم السياسية.
سأظل منحازًا للقضية الفلسطينية ومؤمنًا بعدالتها ومركزيتها، وارتباطها الوثيق بتحقيق الحرية والديمقراطية في مصر وفي المنطقة العربية، فالحرية من الاستعمار والحرية من الاستبداد، وجهان لنفس العملة.
أعادي الكيان الصهيوني، ليس فقط لأنه محتل لبلدي فلسطين، وعشت تحت قصفه الإجرامي لسنوات في غزة والضفة الغربية وبيروت،و شاهدت بنفسي جرائمه ضد الإنسانية و تعرضت لها ولكن أيضًا لأنه يمثل كل ما احتقره في الحياة من احتلال واستعمار توسعي، وعنصرية وتطرفا دينيًا.
أعادي الكيان الصهيوني لأني مصري وأدرك جيدًا أن العدو الرئيس لنا هو إسرائيل، وهو أمر لا يتغير بمرور الزمان، هو العدو الذي حاربنا خمس مرات و قتل الآلاف من أبناء شعبنا ومن كل الشعوب العربية، واحتل سيناء لسنوات، وما زالت أطماعه بها معلنة، ووجوده مبني على ضعفنا واستكانتنا، وإن من مصلحته أن نظل منقسمين تحت ظل نظام استبدادي.
و أدرك أن مقاومة هذا المشروع الإستعماري هو خط الدفاع الاول و الاهم عن ارضنا و مواردنا و قناه سويسنا .
معركتنا الأساسية في مصر الآن هي الحرية من أجل الاستقلال في القرار السياسي الذي يسمح لشعبنا باختيار حر وحقيقي لقياداته، وبالتالي نستطيع التعبير عن مصالحنا وأمننا بشكل صحيح مستمد من قوة الجماهير التي سعت من قبل في ٢٥ يناير إلى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية و مقاومتنا للاحتلال ورفضه هو السبيل للخروج من التبعية و كسر الحصار على تأثيرنا وإعادة سيطرتنا على أرضنا و مواردنا.
يبرر البعض وجود هشام قاسم متصدرًا في المشهد السياسي بهذا الشكل، بأن آرائه السياسية ومواقفه من القضية الفلسطينية هي موقف شخصي لا يعبر عن التيار الحر، ولهؤلاء أقول:
- آراء هشام قاسم السياسية خارج إطار محددات ومبادئ العمل الوطني التي طالما اتفق عليها الشعب المصري وقواه السياسية والمدنية، الحزبية والنقابية والشعبية، برفض أي علاقة مع الكيان الصهيوني، ورفض التطبيع أو التصالح معه، وليس فقط لأنه كيان محتل، ولكن لأنه ما زال يمثل الخطر الأكبر على الأمن القومي للدولة المصرية.
- الموقف من القضية الفلسطينية هو موقف قيمي ومبادئي، ولا يمكن أن تكون قيم الحق والحرية مجزّأة وانتقائية وانتفاعية، ومن حق الرأي العام إخضاع الشخصيات العامة والسياسية إلى معايير قيمية.
- أؤمن بأن من مصلحة الكيان الصهيوني، وجود أنظمة عربية قمعية استبدادية، وأن وجود الديكتاتورية في بلادنا هي رغبة ومنفعة مشتركة بين قوى الاحتلال وداعميهم في بعض مراكز القرار و المصالح في الغرب وقوى القمع الداخلي، للرغبة في السيطرة والهيمنة على الشعوب، وإبقاء البلاد في حالة ضعف وهزيمة وانقسام، الأمر الذي يخدم المشروع الصهيوني و يضمن أمنه واستقراره، وبالتالي فإن مقاومة الديكتاتورية داخل بلداننا تقف على نفس الخط وفي نفس المعركة لمقاومة الاحتلال المتربص بنا على حدودنا الشرقية.
- من غير المقبول تحويل القضية الفلسطينية ومقاومة المشروع الاستعماري، باعتباره خطأ في التقدير السياسي من الجائز أن تقع فيه القوى السياسية أو بعض أعضائها، لأن هذا الأمر بمثابة تمييع لأهم القضايا الوجودية وأخطرها على الأمن القومي المصري.
- لا يمكن اعتبار وجود هشام قاسم في صدر المشهد نوع من البراغماتية في التحالفات السياسية، لأن التحالفات بمختلف أشكالها تُنبى على مصالح مشتركة، ولكن أيضًا على قيم ومبادئ مشتركة، وإذا كنا نتحدث عن تحالف معارض، فعليه بناء صف وطني حقيقي يصر على التغيير المبني على قيم وطنية أساسية جامعه على رأسها القضية الفلسطينية لأن اختلافنا مع النظام أساسه في المبادئ و الا لم يعد هناك فارق بيننا و بينهم !
و اذ نواجه نظاما قمعيا يهين كل مبادئنا الوطنية فمن غير المقبول استخدام نفس الأدوات لانها تنتج نفس النتائج. وعلينا التعلم من اخطاء السنوات العشر الماضية بأن التهاون في تحالفات غير قيمية تؤدي بنا لهزيمة تلو الاخرى.
وبناءً على ما ذكرت، أدعو إلى التالي:
- إعلان موقف واضح وحاسم للتيار الليبرالي الحر، يشرح الموقف من القضية الفلسطينية، ورؤيته للتعامل مع الكيان الصهيوني.
- إعلان موقف واضح وحاسم، من القوى السياسية والأحزاب الأعضاء والأفراد المشاركين في التيار الحر، والذين أعرف منهم الكثير وأثق في تمسكهم بالقيم الحاكمة.
- الإصرار على التمسك بمبادئ أساسية للعمل الوطني، والاختيار بعناية لممثلين التحالفات السياسية والمتحدثين باسم الكيانات المعارضة.