تشكيل الحكومة السورية الجديدة والمواقف الدولية

تقرير: ليد شهاب قصاص
شهدت العاصمة السورية دمشق حدثاً سياسياً مفصلياً، حيث أعلن الرئيس أحمد الشرع عن تشكيل الحكومة الجديدة في مراسم رسمية أقيمت في قصر الشعب، بحضور ممثلي الأجهزة السيادية والقوى السياسية والنخب المجتمعية.
جاء هذا التشكيل تتويجاً لمسار انتقالي دام أربعة أشهر من المفاوضات المكثفة بين مختلف الأطراف السورية، في ظل متابعة إقليمية ودولية حثيثة.
أبرز ملامح تشكيل الحكومة الجديدة
يتميز التشكيل الحكومي الجديد بمزيج دقيق بين الاستمرارية والتجديد. فمن جهة، حافظ على العناصر الأمنية المخضرمة، حيث بقي أسعد الشيباني على رأس وزارة الخارجية، وهو الدبلوماسي الذي يتمتع بخبرة تمتد لأكثر من عقدين في إدارة الملفات الإقليمية والدولية الحساسة.
كما احتفظ مرهف أبو قصرة بحقيبة الدفاع، في خطوة تفسرها الأوساط السياسية برغبة في الحفاظ على استقرار المؤسسة العسكرية خلال هذه المرحلة الانتقالية الحساسة.
ومن جهة أخرى، شهدت عدة وزارات حيوية وجوهاً جديدة، أبرزها تعيين د. ياسر القويطي، الخبير الاقتصادي المعروف، على رأس وزارة الاقتصاد، وهو ما يُنظر إليه كمحاولة جادة لمعالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة.
ردود الأفعال الإقليمية والدولية
• ألمانيا والموقف الأوروبي
على الصعيد الدولي، تباينت ردود الفعل بشكل لافت. ففي برلين، عبر المبعوث الخاص ستيفان شنيك عن ترحيب بلاده بالتشكيل الحكومي الجديد، معتبراً إياه “خطوة مهمة في المسار الانتقالي”، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة تحقيق العدالة الانتقالية وضمان المشاركة السياسية الواسعة كشرطين أساسيين لأي تعاون مستقبلي. هذا الموقف الألماني يعكس رؤية أوروبية متوازنة، تسعى إلى تشجيع الإصلاح مع الحفاظ على الضغوط السياسية.
• تركيا ترحب بالتطورات الجديدة
من جهتها، سارعت أنقرة إلى إصدار بيان رسمي عبرت فيه عن ترحيبها بالتطورات الجديدة، مع التركيز بشكل خاص على ملفي رفع العقوبات الدولية وبدء عمليات إعادة الإعمار. اللافت في البيان التركي الإشارة الواضحة إلى “ضرورة إشراك جميع الأطراف السورية في العملية السياسية”، وهو ما يُفسر على أنه تلميح إلى المكون الكردي في شمال سوريا. كما أبدت أنقرة استعدادها للمساهمة في جهود إعادة الإعمار، خاصة في المناطق التي توجد لها فيها مصالح استراتيجية.
الموقف العربي بعد تشكيل الحكومة الجديدة
في المحيط العربي، جاءت ردود الفعل متفاوتة في درجة حماسها لكنها متقاربة في الجوهر. ففي الرياض، صدر بيان رسمي عن وزارة الخارجية أعرب عن “ترحيب المملكة بالتطورات الإيجابية في سوريا”، مع إشارة واضحة إلى “العلاقات التاريخية والأخوية بين البلدين”.
المصادر المطلعه تشير إلى أن السعودية تدرس حزمة مساعدات اقتصادية قد تصل قيمتها إلى نصف مليار دولار، مع تركيز خاص على دعم القطاع الصحي والبنية التحتية الأساسية.
أما في عمّان، فقد رحب الناطق الرسمي بوزارة الخارجية الأردنية بالتطورات، مع التأكيد على “أهمية العمل المشترك لتحقيق تطلعات الشعب السوري في الاستقرار والتنمية”.
تحديات أمام الحكومة وتفاؤل حذر
رغم هذه الموجة من التفاؤل الحذر، تواجه الحكومة الجديدة جملة من التحديات الجسيمة التي تهدد بقدرتها على الاستمرار وتحقيق الإنجازات الملموسة.
على المستوى الاقتصادي تعاني البلاد من انهيار شامل، حيث تشير أحدث تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نسبة الفقر تجاوزت 80% من السكان، بينما بلغت نسبة البطالة بين الشباب مستويات قياسية تقترب من 85%.
كما أن عملية إعادة الإعمار تحتاج إلى استثمارات ضخمة تقدر بمئات المليارات من الدولارات، في وقت تعاني فيه الخزينة العامة من عجز كبير وتستنزف خدمة الديون الخارجية جزءاً كبيراً من الموارد المحدودة أصلاً.
على الجانب الإقليمي، تظهر بوادر دعم من بعض العواصم العربية. ففي القاهرة، أعرب مسؤولون مصريون عن استعداد بلادهم للمساهمة في جهود إعادة الإعمار، خاصة في مجال إعادة تأهيل البنية التحتية للطاقة.
أما الجزائر، فقد أعلنت عن حزمة مساعدات إنسانية فورية تشمل الأدوية والمستلزمات الطبية، مع إشارة إلى نيتها إرسال فرق طبية متخصصة.
في المقابل، حافظت العواصم الغربية على موقف متحفظ. ففي واشنطن، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية أن “العقوبات الأمريكية ستستمر حتى تحقيق انتقال سياسي حقيقي”، مع إشارة إلى ضرورة إجراء إصلاحات جذرية في الأجهزة الأمنية. أما في لندن، فقد دعت الخارجية البريطانية إلى “ضمان مشاركة جميع مكونات المجتمع السوري في العملية السياسية”.
منظمات حقوقية ودولية أعربت عن مواقف متباينة. فمنظمة العفو الدولية أشادت بالتغيير السياسي لكنها شددت على “ضرورة محاسبة جميع مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان”.
من جهتها، دعت المفوضية الأوروبية إلى “إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف دولي” كشرط لأي دعم مستقبلي، مع التأكيد على أهمية إصلاح القضاء وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية.
ختاماً، تقف الحكومة السورية الجديدة أمام امتحان عسير يتطلب حكمة سياسية وقدرة إدارية استثنائية. فبالإضافة إلى التحديات الداخلية المتمثلة في الأزمة الاقتصادية الخانقة والانقسامات المجتمعية العميقة، عليها أن تتعامل مع معادلة إقليمية ودولية بالغة التعقيد.
النجاح في هذه المهمة سيتطلب أولاً وقبل كل شيء بناء جسور الثقة مع المواطن السوري من خلال تحسين الظروف المعيشية بشكل فوري وملموس، كما سيتطلب مهارة دبلوماسية عالية في التعامل مع الأجندات الدولية المتضاربة.
المرحلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت سوريا ستتمكن من تجاوز عقود من الأزمات والصراعات، أم أنها ستظل أسيرة دوامة العنف وعدم الاستقرار.