تقارير و تحقيقاتسياسةعربي و دولي

يديعوت أحرونوت: حرب غزة بلا نصر ولا رؤية.. مستنقع فيتنامي لإسرائيل

غزة وسيناريو الحروب المتكررة: كيف وصلنا إلى هنا؟

شبكة مراسلين
بقلم: خالد الجدوع
انسحاب إسرائيل الأحادي من قطاع غزة عام 2005، بدا للوهلة الأولى أن الفصل بين الاحتلال المباشر وغزة قد يمنح إسرائيل هامشًا أمنيًا ويوفر لها ورقة ضغط على الفلسطينيين. لكن السنوات أثبتت عكس ذلك: فقد تحوّل القطاع إلى مسرح مواجهات متكررة بين الجيش الإسرائيلي وفصائل المقاومة، لا سيما حركة حماس.
توالت أربعة حروب كبرى (2008-2009، 2012، 2014)، وصولًا إلى التصعيد الحالي.
ففي كل مرة تراهن إسرائيل على ردع فصائل المقاومة وتغيير قواعد اللعبة، لكن تكون النهاية وقف إطلاق نار هشّ، لتبقى جذور الصراع كما هي مع استمرار الحصار والتهميش السياسي وغياب حل شامل للقضية.

حرب بلا هدف واضح … ما الذي يميّز الجولة الحالية؟

ما يميز الحرب الراهنة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل أنها جاءت في سياق داخلي وإقليمي مختلف وأكثر تعقيدا، إذ تواجه إسرائيل انقساماً سياسياً داخل الحكومة والمجتمع، إضافة لأزمة ثقة في القيادة السياسية، وبالخصوص مع تزايد الضغوط من عائلات الرهائن وفشل التوصل لصفقة تبادل واضحة ومتوازنة، ناهيك عن تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران ومن خلفها محورها الممتد عبر بيروت الى صنعاء، إضافة لتراجع الدعم الدولي وتعالي الأصوات المنتقدة في الغرب لتبعات الحرب الإنسانية.
ومع طول أمد العمليات العسكرية وغياب خطة واضحة لـ”اليوم التالي”، يتحوّل الميدان إلى دائرة استنزاف مفتوحة تستنزف إسرائيل عسكريًا ومعنويًا واقتصاديًا.

إسقاط التاريخ على الحاضر وأوجه الشبه بين غزة وفيتنام وأفغانستان

انه اقرارا ضمنيا لاستعصاء الحل العسكري البحث عندما يشبه كيان بحجم إسرائيل صراعه في غزة بفيتنام وأفغانستان والعراق، فيي كل النماذج المذكورة خاضت قوى دولية متفوقة عسكريا على قوى محلية متجذرة بالأرض حروبا وخسرتها.
ففي فيتنام، أفشل مقاتلو الفيتكونغ استراتيجية “القوة الساحقة” الأميركية وخرجت من فيتنام بخسائر عسكرية وبشرية كبيرة، وفي أفغانستان، حوّل مقاتلو طالبان أطول حروب أميركا إلى هزيمة سياسية وأخلاقية، أما العراق، انقلب الاحتلال الأميركي إلى دوامة مقاومة وانقسامات.
غزة، بطبيعتها الجغرافية والاجتماعية، والأنفاق المتشعبة تشكّل بيئة عصية على الإخضاع التام، فكل تدمير يقابله تجدد للغضب والعناد الفلسطيني، وكل محاولة “اجتثاث” تقابلها إعادة تنظيم أكبر، هنا تكمن جدلية “المستنقع”: قوة عظمى تملك كل أدوات النصر العسكري، لكنها تفتقد مفاتيح الحسم.

الطريق المسدود هو الأفق الاستراتيجي للصراع

منذ بدء الحرب هذه، يتبادر للأذهان أسئلة جوهرية: ما الهدف الحقيقي لها؟ هل هو القضاء على حماس؟ أم استبدال السلطة القائمة بأخرى؟ أم هي العودة لما قبل 2005 واحتلال غزة؟ وكل ما ذكر سناريوهات معقدة جدا ومكلفة عسكريا وأخلاقيا.
فخيار الاستمرار في الحرب إلى ما لا نهاية مكلف سياسيا واقتصاديا وعسكريا، واستنزافا لهيبة الردع الإسرائيلية، أما خيار توقف الحرب دون إنجاز واضح يعني هزيمة سياسية لرئيس الحكومة الحالي الذي يعاني بالأصل من أزمات داخل إسرائيل، وتأتي فكرة استبدال حماس بسلطة أخرى فهذا يتطلب إجماعا عربيا ودوليا إضافة لإجماع فلسطيني داخلي وهذا الأمر غير متحقق في الوقت الراهن.
كل هذه المؤشرات تفضي إلى نتيجة واحدة: الأفق الاستراتيجي مسدود إذا بقي الحل عسكريًا فقط.

اليوم التالي: من سيملأ الفراغ في غزة؟

ما بعد حماس؟ سؤال يفتح الباب على مصراعيه أمام مشكلة كبرى: إن خرجت إسرائيل من غزة بعد حملة عسكرية كبيرة دون ترتيب سياسي فمن سيملأ الفراغ؟
فالسلطة الفلسطينية ليست مستعدة لهذا الخيار وليست مقبولة بتركيبتها الحالية في غزة، ولا الأطراف الدولية تملك تصورا لإعادة إعمار غزة دون ضمانات أمنية لإسرائيل والفلسطينيين، وكلما تأخرت الإجابة، لن تكون النتيجة سوى زيادة في العنف والدم.

بين القوة والسياسة هل هناك حلّ؟

من البديهيات والمسلمات الأكاديمية أن الصراعات الممتدة لا تحل بالقوة وحدها، بل بمسار سياسي يعالج جذور الأزمة، ففي القضية الفلسطينية، يتطلب ذلك مقاربة شاملة تبدأ برفع الحصار عن غزة والفلسطينيين عموما، وضمان حقوق الانسان، وخلق بيئة سياسية تتيح تشكيل قيادة فلسطينية موحدة قادرة على التفاوض وحكومة إسرائيلية جريئة قادرة على اتخاذ قرارات حساسة وصعبة.
لكن الوقائع الحالية تجعل هذا الطريق شاقًا، ومع ذلك، يبقى الطريق الوحيد لمنع تكرار المستنقع: تحوّل الحرب من مشروع عسكري مفتوح إلى نقطة انطلاق لمسار سياسي واقعي يضمن الحد الأدنى من الأمن للطرفين.

دروس مستخلصة: التاريخ لا يرحم

علمنا التاريخ أن المستنقعات الكبرى تبدأ كحروب سريعة وتتضخم لغياب الرؤية السياسية، فيتنام تحولت لعقدة نفسية واستنزاف اقتصادي وعسكري أطاح بإدارات أمريكية، وأفغانستان أنهكت الاتحاد السوفييتي ومن بعده الولايات المتحدة الامريكية.
غزة اليوم تذكر إسرائيل بدروس الأمس، وتؤكد للفلسطينيين أن توازن القوة الحقيقي لا يقاس بالقوة العسكرية، بل بالوحدة الداخلية، والقدرة على تدويل قضيتهم

حرب بلا نصر… سلام بلا خطة

إن كان من خلاصة لهذا المستنقع، فهي أن حربًا بلا نصر لن تُنتج أمنًا ولا استقرارًا. والحل لا يمكن أن يكون بالحديد والنار وحدهما.
والطريق للخروج من “مستنقع فيتنامي” جديد يمرّ عبر تسوية شاملة تُعيد الحقوق لأصحابها، وتكسر دائرة الدم.
وحتى ذلك الحين، سيظل التصريح الإسرائيلي “حرب بلا نصر ولا رؤية” عنوانًا لصراع مفتوح يدفع ثمنه الجميع.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews