
بقلم: عماد بالشيخ صحفي و محلل سياسي
في قلب المأساة الإنسانية الكبرى في غزة، تتكشف وبشكل يومي أرقام لا تُزال تُكتب بحبر الدم والفقر والجوع. إن حالة المجاعة التي يعيشها القطاع اليوم لا تقلّ بشاعة عن إبادة جماعية، إذ تتلقى المساعدات الإنسانية ضربات قاضية عبر الحصار، وتُمنع من الدخول، بينما يموت الأطفال رضّعًا بانعدام الغذاء والماء والدواء.
الواقع الإحصائي: أرقام صادمة ومؤشرات مريعة
- قرابة 470,000 شخص في غزة يواجهون الآن “جوعًا كارثيًا” (المرحلة الخامسة حسب تصنيف IPC)، ويُصاب 71,000 طفل تحت سن الخامسة و17,000 أم حامل أو مرضعة بسوء غذائي حاد بين أبريل 2025 ومارس 2026، منها نحو 14,100 حالة شديدة الخطورة.
- في مايو 2025 فقط، تم إدخال 5,119 طفلًا (من عمر 6 أشهر إلى 5 سنوات) لتلقي علاج سوء التغذية الحاد، بينهم 636 حالة مصابة بسوء تغذية حاد شديد (SAM)، وهو رقم ارتفع بنسبة 146٪ منذ فبراير.
- بلغ متوسط الحالات منذ بداية عام 2025 حتى نهاية مايو 112 طفلًا يعالجون يوميًا لسوء التغذية.
- في مناطق الشمال، واحد من كل ثلاثة أطفال دون سنتين يعاني من سوء تغذية حاد (31٪ مقارنة بـ 15.6٪ في يناير)، وحده 4.5٪ يعانون إشكاليات شديدة (wasting).
- في نوفمبر 2024، بلغت نسبة سوء التغذية الحاد بين الأطفال 17٪، و19٪ بين النساء الحوامل والمرضعات. بعد تهدئة جزئية لفترة، انخفض هذا الرقم إلى 2.7٪ في فبراير 2025، ولكنه قفز مرة أخرى في أبريل بعد الحصار إلى نحو 20–25٪ من الأطفال والحوامل.
- قبل الصراع، كانت نسب سوء التغذية في غزة لا تتجاوز 0.8٪ بين الأطفال دون الخامسة. مؤشر ذلك السابق كان يُعتبر من أدنى المعدلات عالميًا.
جريمة ممنهجة بالحصار والموت البطيء
إن ما يجري في غزة هو عملية إبادة جماعية عبر التضييق الممنهج:
- إغلاق المعابر ومنع دخول الغذاء والأدوية.
- انهيار النظام الصحي: فقط 127 من أصل 236 مراكز علاج تغذية تعمل، والبقية مدمرة أو مغلقة بسبب القصف والتهجير.
- دفع المدنيين من أماكنهم نحو مناطق مكتظة تشهد ارتفاع طاحن في أسعار الغذاء أُعلن عنها بزيادة 40‑أضعاف.
- إطلاق نار على المدنيين في نقاط توزيع الغذاء، ما أسفر عن قتلى وجرحى أثناء محاولتهم انتظار مساعدات.
الموت يسبق النمو والندم… والنظام الدولي في الجحود
شهدت غزة وفاة عشرات الأطفال يوميًا بسبب الجوع وحده وليس القنابل. ومنظمة الصحة قالت إن نظام الرعاية الصحية مهدّد بالانهيار الكامل في ظل انقطاع الكهرباء والماء والمستلزمات الطبية.
الآن تقف المؤسسات الدولية أمام معضلة: بيانات تعاطف وقرارات شجب، لكنها لا تثني موت الأطفال من نقص الأملاح والفيتامينات أو توقف الحصار المفروض. إن أعداد الأطفال الحاملين لعلامات سوء التغذية تُعرض الموت الصامت كحقيقة يومية.
أمام التاريخ: من سيتحمل المسؤولية؟
- من سيتحرك لرفع الحصار فعليًا؟
- من سيدافع عن آلاف الأطفال والأمهات الجياع؟
- أين هي مواثيق حقوق الإنسان إن لم تُطبق؟
ما يجري في غزة لا يحتاج إلى تحقيقات مكوكية أو لجنة تقر بالوضع — بل إلى قرار سياسي وأخلاقي واضح لإنقاذ ما تبقى من الحياة البشرية.