أخبارسياسةعربي و دولي

دمشق وموسكو تفاهم استراتيجي يعيد رسم التحالفات الإقليمية

شبكة مراسلين
بقلم : وليد حسين شهاب

في لقاءٍ وصفته وزارة الخارجية السورية بـ”التاريخي”، اجتمع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في العاصمة موسكو، الخميس 31 يوليو – تموز 2025، في أول زيارة رسمية لمسؤول سوري رفيع المستوى منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول 2024.
اللقاء، الذي جاء بعد سنوات من الدعم الروسي العسكري والسياسي للنظام السابق، يمثل تحولًا جوهريًا في طبيعة العلاقات بين البلدين، وفق مراقبين يرون فيه بداية مرحلة جديدة تقوم على أسس مختلفة، بعد أن أنهت سوريا حقبةً سياسيةً طال أمدها.

إعادة تعريف التحالف.. بين الماضي والمستقبل

لم تكن كلمات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال اللقاء مجرد تأكيدٍ على العلاقات الثنائية، بل حملت إشاراتٍ واضحةً إلى رؤية موسكو الجديدة تجاه سوريا. فقد شدد بوتين على “رفض روسيا القاطع لأي تدخلات إسرائيلية، أو محاولات لتقسيم سوريا”، في تصريحٍ يُفسَّر على أنه رسالةٌ إلى القوى الإقليمية والدولية بأن موسكو لا تزال تعتبر سوريا ضمن نطاق نفوذها الاستراتيجي، حتى بعد تغير النظام.

من جهته، نقل الوزير الشيباني عن الرئيس السوري السيد أحمد الشرع، تأكيده على “التزام سوريا ببناء علاقات متوازنة مع روسيا، تراعي مصالح الشعب السوري أولًا”، وفق بيان وزارة الخارجية السورية. كما أشار البيان إلى أن اللقاء “أرسى أسس شراكة جديدة، تقوم على احترام السيادة السورية، ودعم وحدة أراضيها”، في إشارةٍ إلى أن دمشق تسعى لعلاقةٍ مختلفةٍ عن تلك التي كانت قائمةً في عهد الأسد، حين كانت موسكو تُعتَبر الداعم الأبرز للنظام، دون اعتبار كبير لمصالح السوريين أنفسهم.

التدخلات الإسرائيلية.. خط أحمر

لم يغب ملف الأمن والاستقرار عن طاولة المباحثات، حيث حذّرت سوريا من “الخطر الذي تشكله التدخلات الإسرائيلية المتكررة، والتي تدفع البلاد نحو الفوضى”، وفق تعبير البيان الرسمي. كما أكد الجانبان أن “أي انتهاك للسيادة السورية هو انتهاك للقانون الدولي”، في رسالةٍ واضحةٍ إلى تل أبيب وحلفائها بأن موسكو ودمشق لن تتسامح مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية.

إعادة الإعمار.. شراكة أم استثمار؟

أحد أبرز الملفات التي ناقشها الجانبان هو التعاون في إعادة إعمار سوريا، التي أنهكتها أكثر من عقدٍ من الحرب. فقد أكد بوتين التزام بلاده بـ”دعم سوريا في إعادة الإعمار واستعادة الاستقرار”، لكنه لم يحدد طبيعة هذا الدعم، سواءً كان منحًا أم استثماراتٍ اقتصاديةً.

من جانبه، قال الشيباني إن “سوريا تتطلع إلى علاقات اقتصادية متوازنة مع روسيا، تخدم مصالح الطرفين”، في إشارةٍ إلى أن دمشق لا تريد أن تكون ساحةً للاستثمارات الروسية فقط، بل شريكًا متكافئًا. كما أعلن الجانبان عن “إعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية السابقة”، والتي كانت تمنح الشركات الروسية امتيازاتٍ كبيرةً في قطاعات النفط والغاز والبنى التحتية، دون شفافيةٍ تذكر.

موسكو ودمشق.. نحو قمة عربية روسية

في مؤتمرٍ صحفي مشترك مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، كشف الشيباني عن تلقيه دعوةً رسميةً للرئيس السوري أحمد الشرع، لحضور القمة العربية الروسية المزمع عقدها في موسكو في 15 تشرين الأول المقبل. هذه الدعوة، التي وصفتها مصادر دبلوماسية بـ”الاستباقية”، تُعتبر مؤشرًا على رغبة روسية في إبقاء سوريا ضمن دائرة نفوذها، حتى بعد تغير النظام.

من جهته، أعرب لافروف عن “تطلع بلاده إلى تكثيف الحوار مع دمشق”، مؤكدًا أن “روسيا تعارض أي محاولات لزعزعة استقرار سوريا”، في إشارةٍ إلى بعض القوى الإقليمية التي تتهمها موسكو بدعم جماعات مسلحة داخل الأراضي السورية. كما أضاف أن “الخطوات الإصلاحية التي أعلن عنها الرئيس الشرع ستساعد سوريا على تجاوز الأزمة”، وهو ما يُفهم منه أن روسيا تدعم المسار الانتقالي الحالي.

اللقاء السوري الروسي الأخير لم يكن مجرد زيارة روتينية، بل كان إعلانًا صريحًا عن بدء فصلٍ جديدٍ في العلاقات بين البلدين. فصلٌ يحمل في طياته إمكانية إعادة رسم التحالفات الإقليمية، خاصةً في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة. فبينما تسعى سوريا الجديدة إلى فك ارتباطها بسياسات الماضي، تظهر روسيا مرونةً في التعامل مع الواقع الجديد، لكنها تبقى حريصةً على حماية مصالحها الاستراتيجية. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستنجح هذه الشراكة الجديدة في تحقيق الاستقرار المنشود، أم أنها ستكون مجرد إعادة إنتاج للتحالفات القديمة بأسماء جديدة؟ الإجابة ربما تكمن في الأشهر القادمة، حين تُترجم هذه التصريحات إلى سياساتٍ فعليةٍ على الأرض.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews