حروب بلا دخان: القنابل الكهرومغناطيسية وأبعادها الاستراتيجية

ترجمة وتحرير أبوبكر ابراهيم اوغلو
القنابل الكهرومغناطيسية Microwave Bomb هي نوع من أسلحة الطاقة الموجَّهة (Directed Energy Weapon) التي تعتمد على استخدام الموجات الكهرومغناطيسية بهدف تعطيل أو تدمير الأنظمة الإلكترونية. تقوم هذه الموجات بتسخين المواد المعدنية، وتكون قوتها كافية لإلحاق الضرر وإذابة الموصلات المعدنية في الأنظمة الكهربائية. الموجات منخفضة القدرة أو الشدة يمكن أن تعطل الأنظمة مؤقتًا، بينما الموجات عالية القدرة قد تدمرها بالكامل.
الضرر الناتج عن استخدام القنابل الكهرومغناطيسية غالبًا ما يكون ضررًا كهرومغناطيسيًا وليس حركيًا (كينتيكيًا)، لذا فهي لا تترك آثارًا مادية وتؤثر على الهدف دون أضرار جانبية كبيرة.
الموجات الميكروية عالية القدرة (HPM – High-Power Microwaves) هي موجات كهرومغناطيسية ضمن نطاق ترددات من الميغاهرتز (ملايين النبضات في الثانية) حتى الغيغاهرتز (مليارات النبضات في الثانية). عادةً يُستخدم نطاق 1–300 غيغاهرتز، وبقدرات قصوى تتراوح بين 100 ميغاواط و100 غيغابت.
تؤثر الموجات الكهرومغناطيسية على الأنظمة الإلكترونية عبر “نقاط دخول” (Entry Points) مثل:
- وصلات خارجية (أنتينات متصلة بالنظام).
- وصلات داخلية (كابلات، أسلاك، خطوط هاتف، فتحات تهوية، أو أجزاء حماية تالفة تتيح الوصول للمكونات الداخلية).
من خلال هذه النقاط، تدخل طاقة الموجة إلى الأجهزة، ويمكنها تعطيل مجموعة واسعة من الأنظمة، بما في ذلك:
- شبكات الهاتف والاتصالات والكهرباء والأمن.
- أجهزة إلكترونية كالحواسيب والهواتف الذكية والساعات الذكية.
- المركبات المدنية والمعدات العسكرية مثل الطائرات والمسيّرات والدبابات والسفن وأنظمة الصواريخ.
كما تستطيع الموجات الميكروية النفاذ إلى المنشآت العسكرية تحت الأرض عبر أنظمة الاتصال والكابلات والأنتينات المرتبطة بها، لتعطيل أنظمة القيادة والسيطرة وحتى المنشآت النووية.
المزايا الرئيسية للسلاح المعتمد على الموجات الميكروية:
- العمل بسرعة الضوء (300 ألف كم/ثانية).
- الاستخدام في جميع الظروف الجوية (غيوم، أمطار، ضباب، غبار).
- إمكانية تقليل تأثيرات الغلاف الجوي باختيار أطوال موجية مناسبة.
- بساطة التشغيل والتوجيه والمتابعة بسبب التشتت المكاني الكبير للموجة.
- القدرة على ضرب أهداف متعددة في وقت واحد.
- عدم تأثر الموجة بالجاذبية.
- إمكانية التدمير أو التعطيل حسب القدرة والتردد المستخدم.
- أضرار جانبية محدودة، إذ يتراوح نصف قطر التأثير عادةً بين مئات الأمتار، بينما الخطر على البشر يقتصر على أمتار قليلة من نقطة الانفجار.
حتى الآن، لم يُسجَّل استخدام عملياتي فعلي للقنابل الكهرومغناطيسية لتعطيل الأنظمة الإلكترونية، إلا أن هناك سوابق في استخدام أسلحة مشابهة مثل “قنابل الغرافيت” (Blackout Bombs) الأمريكية، التي تعطل شبكات الكهرباء بنثر خيوط غرافيت تسبب قصرًا كهربائيًا دون إتلاف البنية المادية.
استخدام آخر في حرب كوسوفو عام 1999، أدى لانهيار نحو 70% من إمدادات الكهرباء في صربيا.
كما تطوّر كوريا الجنوبية قنابل غرافيت لتعطيل شبكات الكهرباء في حال وقوع مواجهة مع كوريا الشمالية.
أول استخدام كان في حرب الخليج عام 1991، حيث عطلت الولايات المتحدة 85% من إنتاج الكهرباء للجيش العراقي.
أنواع القنابل الكهرومغناطيسية
توجد عدة طرق وتقنيات لإنتاج واستخدام القنابل الكهرومغناطيسية. الطريقة الأولى اكتُشفت خلال التجارب النووية المبكرة التي أجراها العلماء الأمريكيون في أربعينيات القرن الماضي، إذ تبيّن أنه عند تفجير قنبلة نووية على ارتفاع عالٍ (لا يقل عن 30 كم)، ينتج عن الانفجار كمّ هائل من النبضات الكهرومغناطيسية (EMP) التي تولّد مجالًا كهربائيًا قادرًا على تعطيل الوسائل الإلكترونية على نطاق واسع يصل إلى مئات أو آلاف الكيلومترات، حسب ارتفاع التفجير. هذا النص لا يتناول النبضات الكهرومغناطيسية الناتجة عن التفجيرات النووية.
بعد هذا الاكتشاف، أُجريت أبحاث عديدة لدراسة آليات تأثير النبضات الكهرومغناطيسية، ما أدى لاحقًا إلى ابتكار قنابل كهرومغناطيسية غير نووية. وعلى خلاف القنابل النووية، فإن مدى هذه الأخيرة أقصر ولا يتجاوز كيلومترًا واحدًا. حاليًا، لدى أكثر من 20 دولة برامج لتطوير القنابل الكهرومغناطيسية غير النووية، من بينها الولايات المتحدة، الصين، وروسيا.
يعتمد مبدأ عمل بعض هذه القنابل على تقنية بسيطة نسبيًا من الناحية الفنية، منشورة في الأدبيات الأكاديمية العلنية، بحيث يمكن لأي دولة ذات بنية تحتية تكنولوجية متطورة تصنيعها.
يُصنَّف استخدام القنابل الكهرومغناطيسية غير النووية إلى نوعين:
- قنابل ذات نطاق ترددي ضيق:
- تطلق مجال ترددات محدودًا، لكن بطاقة عالية جدًا.
- تصدر شعاعًا مركزًا بقدرات تصل إلى مئات أو آلاف الكيلوواط لكل نبضة، ما يسمح بإصابة دقيقة للأهداف.
- يمكن استخدامها عدة مرات عبر إطلاق موجات ميكروية من مصدر كهربائي على مدى طويل ولأهداف محددة.
- تمتلك قدرة على إطلاق مئات النبضات في الثانية وتوليد شعاع شبه مستمر، مما يتيح إصابة عدد كبير من الأهداف في وقت قصير.
- قنابل ذات نطاق ترددي واسع:
- تُستخدم ضد أهداف مساحتها واسعة وتحتوي على مكونات إلكترونية حساسة لمجموعة كبيرة من الترددات.
- مصدرها ذخائر تُستخدم لمرة واحدة، مثل القنابل أو قذائف المدفعية.
- تنتج عددًا كبيرًا من النبضات الكهرومغناطيسية دفعة واحدة، تتوزع في جميع الاتجاهات لتعطيل أو شلّ جميع الأنظمة الإلكترونية ضمن نطاق الانفجار.
- كلما اقترب الانفجار من الهدف، زاد تأثيره عليه.
- الطاقة الناتجة أقل (حتى عشرات الجول لكل نبضة) وتأثيرها على البشر محدود.
- يمكن إطلاقها من منصات متنوعة مثل صواريخ كروز، طائرات مسيّرة، ذخائر جوية، أو بعض منصات إطلاق الصواريخ والمدفعية.
تحسين كفاءة القنبلة وتحقيق أقصى ضرر
لتحقيق أقصى تأثير للقنبلة الكهرومغناطيسية، يجب مراعاة عدة عوامل مؤثرة، مثل:
نوع القنبلة.
القدرة الناتجة عن الجهاز الكهرومغناطيسي.
مدة نبضة الطاقة الكهرومغناطيسية (“القدرة القصوى”).
ملاءمة نطاق الترددات المستخدمة مع طبيعة المكوّنات المستهدفة.
كما يمكن زيادة التأثير عبر تصميم دقيق لهوائي الإطلاق من حيث المواد المقاومة للقدرة العالية وأبعاد الهوائي المناسبة لطول الموجة.
أيضًا، يلعب ارتفاع التفجير دورًا مهمًا: كلما زاد الارتفاع، اتسعت مساحة التغطية، لكن تقل قدرة الإشعاع على الإضرار، ما يستدعي الموازنة بين الارتفاع والضرر المطلوب.
المخاطر على الأرض
يمثل سقوط القنابل الكهرومغناطيسية – سواء كانت تقليدية أو نووية – في أيدٍ غير صحيحة تهديدًا كبيرًا.
تقرير لجنة الأمن الداخلي بالكونغرس الأمريكي (2014) أشار إلى سيناريو تعطيل كامل لشبكة الكهرباء والبنية التحتية في الولايات المتحدة بفعل قنبلة كهرومغناطيسية، ما يؤدي إلى وفيات جماعية.
في السياق الإسرائيلي، يبقى هذا الاحتمال أقل بسبب عدم قدرة الخصوم حاليًا على إنتاج قنبلة نووية كهرومغناطيسية، إلا أن امتلاك إيران مستقبلًا لسلاح نووي قد يغير المعادلة.
كما أشار التقرير إلى إمكانية تطوير جهات غير دولية (إرهابيون أو مجرمون) لقنابل كهرومغناطيسية صغيرة بتكلفة منخفضة باستخدام تقنيات وقطع متوفرة علنًا.
دول مثل روسيا، الصين، وكوريا الشمالية تمتلك القدرة على شن هجوم نووي كهرومغناطيسي، وأدرجت ذلك في عقيدتها العسكرية.
مثال: في 1999 هدد مسؤول روسي بإطلاق صاروخ نووي لتفجير قنبلة كهرومغناطيسية عالية الارتفاع ضد الولايات المتحدة.
تقرير أمريكي عام 2020 ذكر أن الصين قادرة على تنفيذ هجوم مشابه لإصابة البنية التحتية العسكرية والمدنية الأمريكية، بما في ذلك أنظمة الاتصالات ومحطات الطاقة وحاملات الطائرات.
كوريا الشمالية – استنادًا إلى معرفة حصلت عليها من خبراء روس – أعلنت رسميًا امتلاكها القدرة على استخدام قنبلة هيدروجينية عالية الارتفاع لتعطيل البنية التحتية الإلكترونية.
المخاطر في الفضاء
يمكن استخدام القنابل الكهرومغناطيسية لتعطيل أو تدمير الأقمار الصناعية، مما يشل الاتصالات، المعاملات المالية، وخدمات الإنترنت.
في 2024، ذكرت CNN أن روسيا تطوّر قنبلة نووية كهرومغناطيسية لتدمير الأقمار الصناعية، مع إمكانية استهداف شبكات مثل Starlink التي استخدمتها أوكرانيا.
الصين تطوّر أيضًا نظامًا لاعتراض الأقمار الصناعية وقمع إشارات GPS باستخدام موجات ميكروية عالية القدرة تصل إلى 1 غيغاواط.
التهديد الإيراني لاسرائبل
وفق صحيفة الجريدة الكويتية، زودت إيران حزب الله ووكلاء آخرين بقنابل وصواريخ ذات رؤوس كهرومغناطيسية. هجوم واسع من إيران أو حزب الله قد يعطل جزءًا كبيرًا من شبكة الكهرباء في إسرائيل، ويضر بالمرافق المدنية والعسكرية، بما في ذلك:
محطات الطاقة، الخطوط عالية الجهد، والمولدات.
أجهزة الاتصالات والبنوك.
معدات المستشفيات الحيوية (أجهزة التنفس والمراقبة الطبية).
أنظمة إمداد المياه ومحطات التحلية.
وسائل النقل (سيارات، سفن، قطارات، طائرات) والبنى التحتية الداعمة لها.
صحيفة واشنطن بوست أشارت إلى أن إسرائيل أوقفت مشروع قنبلة كهرومغناطيسية إيرانية. وفي تقرير لـ ديلي ستار (أبريل 2024)، قيل إن لدى إسرائيل قنابل كهرومغناطيسية غير نووية ضيقة النطاق، كان يمكن استخدامها ضد إيران، لكن لم يُعرف عن استخدامها فعليًا.
منظومة CHAMP الأمريكية
CHAMP (مشروع الصاروخ المتطور عالي القدرة على الموجات الميكروية لتعطيل الإلكترونيات) هو برنامج أمريكي لتطوير سلاح يعتمد على الموجات الميكروية، يتم تركيبه على صاروخ كروز.
يدخل الصاروخ المجال الجوي للعدو على ارتفاع منخفض، وتقوم منظومة CHAMP المثبّتة عليه بإطلاق موجات ميكروية عالية القدرة وضيقة النطاق لتعطيل الأنظمة الإلكترونية، دون التسبب في أضرار بشرية أو مادية للبنية التحتية.
تتميز هذه المنظومة بقدرتها على إطلاق شعاع مركّز ودقيق مرات عديدة في مهمة واحدة، على عكس القنابل الكهرومغناطيسية التقليدية التي تشل جميع الأنظمة في منطقة الانفجار دفعة واحدة.
كما يمكنها تجاوز وسائل الحماية المصممة للتعامل مع القنابل الكهرومغناطيسية التقليدية.
مدى الصواريخ المستخدمة يصل إلى 1,100 كم، ويمكن إطلاقها من القاذفة الإستراتيجية B-52. وأكدت مصادر رسمية أمريكية أن هذه المنظومة يمكن استخدامها ضد منظومات الصواريخ الكورية الشمالية.
بدأ المشروع في الولايات المتحدة عام 2009 بشراكة بين الذراع الدفاعي لشركة بوينغ (Phantom Works) ومختبر أبحاث سلاح الجو الأمريكي (AFRL)، مع تصنيع المكونات الإلكترونية بواسطة قسم رايثيون من مجموعة RTX، وتصنيع الصواريخ بواسطة لوكهيد مارتن.
في عام 2012 أُجري اختبار ناجح في صحراء يوتا باستخدام صاروخ AGM-86 أطلق من قاذفة B-52، وتمكنت المنظومة من تعطيل جميع الأنظمة الإلكترونية في مبنى من طابقين. وفي 2019 أكدت ماري لو روبنسون، المسؤولة عن قسم الموجات الميكروية عالية القدرة في مختبر سلاح الجو الأمريكي، أن المنظومة أصبحت عملياتية.
في تقرير آخر نشرته ديلي ميل في أبريل 2024، ذكر مسؤولون أمريكيون أن المنظومة قادرة على تدمير أو تعطيل منشآت مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني لفترة طويلة، دون إلحاق خسائر بشرية.
آلية العمل
يُطلق صاروخ مزوّد بقنبلة كهرومغناطيسية من قاذفة شبحية.
يحتوي الصاروخ على جهاز يولّد إشعاعًا كهرومغناطيسيًا عالي القدرة، موجَّه نحو هدف محدد مسبقًا.
تُطلق نبضات ميكروية بقوة آلاف الفولتات نحو الهدف، ما يؤدي خلال ثوانٍ إلى ارتفاع قاتل في الجهد داخل الأجهزة الإلكترونية.
النتيجة: تعطيل دائم لأنظمة الكهرباء، الاتصالات، الحواسيب، الهواتف، المركبات، وحتى الدبابات.
يتبع ذلك تقييم للأضرار للتأكد من فعالية الضربة.
الخلاصة والتوصيات
يمكن للسلاح الكهرومغناطيسي تعطيل مراكز القيادة والسيطرة، حتى تلك الموجودة تحت الأرض، من خلال شل أنظمة الاتصال والحوسبة والمراقبة دون تدمير مادي.
مواجهة هذا التهديد تتطلب استثمارًا في وسائل حماية فعّالة، خاصة للبنية التحتية الوطنية الحيوية.
أبرز وسائل الحماية: قفص فاراداي لعزل المكونات الإلكترونية، واستخدام الألياف الضوئية لنقل البيانات. لكن هذه الوسائل باهظة ولا توفر حماية كاملة، ما يستدعي تطوير حلول إضافية أقل تكلفة وأكثر كفاءة.
المصدر : مركز دراسات الامن القومي الاسرائيلي