الحروب تغيّر وجه المناخ… والمناخ يعيد إشعال الحروب

بقلم : منى عيد / مصر
في عالم يموج بالأزمات، أصبح العنف المسلح ظاهرة تتخطى حدود السياسة والجغرافيا، لتمتد إلى الهواء الذي نتنفسه، والماء الذي نشربه، والأرض التي نعيش عليها.
عام 2024 لم يكن عاديًا؛ فقد سجّل معهد أبحاث السلام في أوسلو 61 نزاعًا مسلحًا في 36 دولة، وهو أعلى رقم منذ الحرب العالمية الثانية. لكن خلف هذه الأرقام تختبئ قصة أكبر: كيف تُسهم الحروب في تسريع تغير المناخ، وكيف يدفع تغير المناخ بدوره إلى إشعال صراعات جديدة.
الانبعاثات العسكرية: الكوكب يدفع الثمن
كل صاروخ يُطلق، كل دبابة تتحرك، وكل طائرة تقلع، تترك خلفها بصمة كربونية هائلة. تقديرات الباحثين تشير إلى أن الانبعاثات الناتجة عن الجيوش يمكن أن تضاهي بصمة بعض الدول الصناعية الكبرى. ومع ذلك، هذه الانبعاثات “غير مرئية” في جداول المناخ العالمية، لأن وزارات الدفاع لا تُفصح عن بياناتها.
هكذا تتحول الحرب إلى تلوث مسلح لا يُحاسب عليه أحد.
المناخ كشرارة للحرب
في مناطق مثل الساحل الأفريقي والشرق الأوسط، لم يعد النزاع مجرد خلاف سياسي. الجفاف، شح المياه، وتدهور الأراضي الزراعية هي عوامل تُشعل توترات تتحول سريعًا إلى صراعات دموية. ولهذا أطلق عليها الباحثون مصطلح “الحروب المناخية”.
هنا، الطقس ليس مجرد خلفية للقتال، بل وقوده الأساسي.
الطبيعة تنتقم
المفارقة أن الجيوش التي تُلوّث الكوكب تجد نفسها عاجزة أمام قوته. موجات الحر تعطل المعدات، السيول تغرق الدبابات، والعواصف تُعيد رسم خرائط المعارك. لم يعد السؤال فقط: كيف تُخطط الجيوش للقتال؟ بل: هل تستطيع أصلاً أن تقاتل في عالم يزداد تطرفًا مناخيًا؟
إرث السموم والدمار الطويل الأمد
حتى بعد أن تصمت المدافع، تبقى البيئة أسيرة الماضي. في فيتنام، لا تزال القنابل غير المنفجرة تحصد أرواح الأبرياء. في العراق، تسرّبت مواد سامة إلى التربة والمياه. ومع تغيّر المناخ، صارت هذه الألغام أكثر خطورة: الفيضانات تكشفها، والحرائق تفجرها.
إنها حرب لا تنتهي بتوقيع هدنة، بل تستمر تحت الأرض وفي الهواء لعقود.
النازحون: بين حربين
ملايين البشر الذين يُجبرون على النزوح بسبب الحروب، يجدون أنفسهم في مواجهة حرب أخرى مع الطبيعة. بلا بيوت ثابتة أو موارد، يصبحون الأكثر عرضة للفيضانات والعواصف وموجات الحر. في الموصل مثلًا، يعيش آلاف النازحين في مساكن مؤقتة تغمرها الأمطار مع أول عاصفة، وكأن الحرب لم تترك لهم فرصة لالتقاط أنفاسهم.
كسر الدائرة المغلقة
الحقيقة الصادمة أن العلاقة بين الحرب والمناخ دائرة جهنمية: الحرب تُسرّع تغيّر المناخ، والمناخ يُغذي الحرب. لا يكفي أن نتحدث عن “إعادة إعمار” أو “مفاوضات سلام”، بل يجب أن نضع البيئة في صميم أي تسوية.
لأن المعركة لم تعد بين جيوش ودول فقط، بل بين البشر وكوكب ينهار.