
بقلم : هناء محمد / ليبيا
التاريخ وُجدَ ليُقرأ، وصفحاتهُ لتُحفظ، وحقائقه لتُدرَكْ، وعبرتهُ لتُستخلَصْ؛ ما مِنْ موضعٍ منه وإلا قد استفاضَ في الحديث عن واحدة من أكثر العلاقات الثنائية السياسية شهرةً على مر العصُور. لا تُستثنى المملكة المُتحدة من هذه المُعادلة، فهي من زرعَتْ الداء في المنطقة بلغةٍ ناعمة تنضحُ بالأخلاقيات الواهية، وتراجعَت للوراء لتُطلَ من شُرفتها الأوروبية، وتكتفي بالمتابعة والصمت إزاء الجرائم المُرتكبة، هي جزءٌ من المعادلة المتأصلة في الأعماق، وستظلُ كذلك للأبد.
في عام 1948، وُلدَ الاحتلال الإسرائيلي ككيانٍ ضئيل الحجم، يصطفُ حوله من سارعوا إليهِ ركضًا وحبوًا لنيلِ رضاه الذي يمتدُ لفوائد مالية يسيلُ لها اللعاب، ولا يمكنُ رفضها كما يزعمُ كل مؤيدٍ لهذه السياسة، سياسة الخنُوع المنمّقة خلف رداء الدبلوماسية وبناء العلاقات الثنائية من أجل مستقبلٍ واعد. كانت الولايات المتحدة من أوائلِ الداعمينَ والمباركينَ لولادة هذا الكيان إذ أنها لم تذخر جهدًا في إغذاقهِ بكل سبُل المؤازرة التي تمثلتْ جليًا وسريعًا في الدعم المباشر أثناء العدوان
الثلاثي عام 1956، ومن بدأ هذا الدعم اللامشروط لا ينبغي أن يثير دهشة الإنسان بمساندتهِ الكاملة لكافة القرارت الشعواء المُتخذة في حق الأبرياء في غزة اليوم! دولةٌ بنَتْ نفسها على ماضي شعبٍ آخر لتظفرَ بحاضرٍ تمجدهُ فباتَ شديد اللمعان بفضل لغة خطابٍ تغذي الغرور، وتصيبُ المستمِع ومن يحمل الدماء في عروقهِ بجنون العظمة، ألن تساعدَ من يشبهها شكلاً ومضمونًا؟ الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد دولة مستقلة كما يحلو لها أن تصفَ نفسها، تحولت كغيرها من الحلفاء لدميةٍ تحركها الخيوط الشفافة لتنفيذ دورها في المُخطط، دمية في يد كيانٍ لا يكاد يُذكر بثَّ فيها كما بثَّ في غيرها أمارات الوهَن والتخبُط.
التاريخ لا ينسَ. التاريخ لا يحتفظُ بحقيقة إلا ليتركها في يد الزمن حتى يُؤكدها، الولايات المتحدة هي الحليف الأكبر للاحتلال الإسرائيلي في العصر الحالي، وقد تجازفُ بشعبِها دون مواربة للحفاظِ على هذا الرابط بينهما كمَا أنزلت سخطها على الشاب الذي أشهر سلاحه، وحصد روح من وهب عقله طوعًا للفكر الصهيوني. هذا ما يرويهِ التاريخ، ورغمَ ذلك نسمعُ أصواتًا تشيدُ بها، ويراها ميزان العدالة الأكبر في هذا العالم، ميزانٌ لا يرى دماء الأبرياء، لكنه يشفقُ وينتَحِبْ من أجلِ من يتلذذونَ بمُعاناة أهل غزة، ويحثونَ على تعميق الجراح.. هل سينسَ التاريخ؟ لن ينسَ.