مقالات

صفعة الدوحة: كيف مزّقت إسرائيل قناع “الحماية الأمريكية”؟

بقلم: ممدوح ساتي / الخرطوم


في لحظةٍ تاريخية فارقة، وبينما كان قادة 57 دولة عربية وإسلامية يجتمعون في الدوحة تحت سقف القمة، دوّت الصواريخ الإسرائيلية فوق سماء قطر، الدولة التي تُعتبر أقرب حليف عربي لواشنطن وتحتضن أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط.
المشهد بدا كصفعة مدوية على وجه كل من لا يزال يراهن على أن “المظلة الأمريكية” قادرة على حماية أحد. فكيف تجرأت إسرائيل على ضرب حليف محمي بآلاف الجنود الأمريكيين؟ وكيف صمتت واشنطن، وكأن الأمر لم يحدث؟!
لقد كشفت الضربة أن “الحماية الأمريكية” مجرد خرافة تسويقية، هدفها ليس حماية الحلفاء بل ضمان بقائهم ضعفاء، تابعين، ومشلولين أمام أي عدوان.

أمة غنية.. لكنها مكبلة
لننظر إلى الصورة كاملة:
55% من احتياطيات النفط العالمي في أراضينا
80.7% من الفوسفات العالمي (أساس الصناعات الزراعية)
1.8 مليار نسمة (24% من سكان العالم)

ناتج محلي إجمالي للعالم العربي والإسلامي يتجاوز 3.5 تريليون دولار
احتياطيات نقدية وصناديق سيادية تفوق 4 تريليونات دولار
ومع ذلك.. نُصر على ربط ثرواتنا بالدولار، ونستورد الحماية الأمريكية كما نستورد السلع الاستهلاكية، بينما نُهدر فرص بناء استقلالنا الاقتصادي والعسكري.

أرقام تكشف الفضيحة
430 مليون عربي مقابل 9.5 مليون إسرائيلي فقط
1.5 مليون جندي عربي مقابل 169 ألف جندي إسرائيلي
100 مليار دولار إنفاق عسكري عربي (مبعثر ومجزأ) مقابل 24 مليارًا لإسرائيل لكنها تتلقى 3.8 مليار دولار دعم أمريكي سنوي مباشر
اقتصاد إسرائيل: 610 مليار دولار فقط.. بينما العرب مجتمعين يتجاوزون 3.5 تريليون دولار
فكيف تنتصر الأقلية الصغيرة على الأكثرية الساحقة؟
الجواب ليس في القوة المادية وحدها، بل في الإرادة المفقودة، وفي التبعية للوصاية الأمريكية.

نموذج السودان:
كنوز مهملة تحت الرمال

لإدراك حجم الكنز الضائع، يكفي أن نتأمل السودان كنموذج واحد من قدراتنا الاقتصادية المهدرة:
• يمتلك السودان واحدة من أغنى صحارى العالم بالرمال البيضاء الغنية بالسيليكا، وهي المادة الأساسية في صناعة أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية التي تتسابق عليها أمريكا والصين.
• يُعتبر السودان من أكبر أقاليم الزراعة في العالم، بأراضٍ خصبة مساحتها 200 مليون فدان قابلة للزراعة، قادرة على جعل العرب سلة غذاء العالم.
• يملك السودان احتياطيات ضخمة من الذهب تقدَّر بأكثر من 1500 طن، تجعله من بين أكبر خمس دول منتجة عالميًا.
• بالسودان موارد مائية هائلة (نهر النيل وروافده) تؤهله ليكون مركزًا للطاقة الكهرومائية في أفريقيا.
• ثروة حيوانية تفوق 100 مليون رأس، ما يجعله مؤهلًا ليكون مصدرًا عالميًا للحوم والألبان.

لكن كل هذه القدرات تُترك للتهميش، بل والتآمر من بعض العرب العملاء للمشروع الاسرائيلي..

والسبب ذاته: غياب رؤية ومشروع عربي موحد، واستمرار الرهان على الدعم الغربي والدولار الأمريكي.

لماذا يخشون صحوتنا؟

الصين انتقلت من الفقر إلى ثاني أكبر اقتصاد عالمي بدون قواعد أمريكية ولا حماية غربية.

ماليزيا وإندونيسيا صنعتا معجزات تنموية عبر استقلال قرارهما الاقتصادي والسياسي.
المؤسسة الإسلامية لتمويل التجارة قدمت وحدها 89 مليار دولار لمشاريع تنموية في الدول الأعضاء.
تخيلوا لو تحركت الصناديق السيادية العربية والإسلامية (بقيمة تفوق 4 تريليونات دولار) نحو مشاريع تصنيع وسلاح وتكنولوجيا محلية؟ النتيجة: ولادة قوة لا تُقهر.

جرس الإنذار الأخير
إذا كانت قطر، المحمية أمريكياً والقريبة من واشنطن، تُقصف بلا رد ولا حماية..
فما مصير بقية العواصم العربية؟!
الخيار واضح وصارم:
• إطلاق عملة عربية موحدة مستقلة عن الدولار
• تشكيل تكتل عسكري عربي/إسلامي مستقل
• بناء تحالفات استراتيجية مع آسيا (الصين، الهند، روسيا، النمور الآسيوية)
• مقاطعة اقتصادية وسياسية حقيقية لإسرائيل

بين التبعية والنهضة
الأمم لا تُحترم بالبيانات الختامية ولا بالشعارات الرنانة، بل بقوتها الذاتية.
لقد كان العدوان على قطر جرس إنذار أخير، إما أن نستيقظ ونبني قدراتنا بأيدينا، أو نظل عبيدًا للوهم الأمريكي، تحت رحمة صواريخ إسرائيل.
إن السودان نموذج واحد من كنوزنا المهدورة، والخيارات أمامنا واضحة:
إما النهضة والاستقلال.. أو التبعية والانكسار.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews