مقالات

من فشل الحكم إلى قوة الضغط: هل يمكن أن يتحول الإخوان إلى “إيباك” إسلامي؟

ممدوح ساتي / السودان

إخفاق التجربة السلطوية — أمثلة مؤلمة وتواريخ حاسمة

التجارب العملية للإسلام السياسي في الحكم حملت دروساً بالغة.

ففي مصر، لم يسقط حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي (2012–2013) نتيجة فشل داخلي بحت، بل بفعل مؤامرة خارجية مدعومة إقليمياً ودولياً رأت في صعود الإسلاميين عبر صناديق الاقتراع تهديداً مباشراً لمصالحها. الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 جاء تتويجاً لهذه المؤامرة، بعد تعبئة إعلامية واسعة ودعم مالي وسياسي خارجي، ليطيح بأول تجربة ديمقراطية ذات طابع إسلامي في المنطقة.

في تونس، وجدت حركة النهضة نفسها بين مطرقة التحديات الداخلية وسندان الضغوط الخارجية (2011–2014). دخولها الحكم قاد إلى سلسلة من التنازلات والتوافقات الدستورية لتفادي انهيار التجربة، وهو ما أظهر حجم التحولات التي تفرضها السلطة على الحركات الدعوية.

أما في السودان، فقد هيمنت التيارات الإسلامية على الحكم تحت مظلة نظام عمر البشير (1989–2019)، لكن النتيجة النهائية كانت انهياراً شبه كامل للنموذج بعد عقود من الفساد والاستبداد وضغوط المجتمع الدولي، ليثبت أن الجمع بين المشروع الدعوي وآليات الدولة القائمة مهمة بالغة التعقيد.

لماذا تتعثر حركات الإسلام السياسي عند وصولها إلى السلطة؟

  1. غياب الخبرة الإدارية:
    القيادات الدعوية والتنظيمية تفتقر غالباً إلى الكفاءات الاقتصادية والمؤسسية اللازمة لإدارة دولة حديثة.
  2. الاصطدام بالخصوم وتحويل السياسة إلى صراع وجودي:
    بدلاً من بناء تحالفات وطنية واسعة، جرى التعامل مع المنافسين كخصوم عقائديين، مما غذّى الاستقطاب.
  3. تأثير السلطة والمال على وحدة الهدف:
    الوصول المباشر للسلطة فتح أبواب النفوذ والثروة، فدخلت المصالح الخاصة إلى قلب المشروع الدعوي، وأضعفت وحدة الجماعة.
  4. الضغط الدولي والإقليمي:
    القوى العالمية والإقليمية غالباً ما ترى في وصول الإسلاميين إلى الحكم تهديداً، فتتحرك لإفشال تجاربهم أو حصارها، كما حدث في مصر وتونس والسودان.

نموذج إيباك: قوة الضغط بلا سلطة

على الجانب الآخر، تقدم “إيباك” (AIPAC) نموذجاً مغايراً تماماً.
فهي ليست حزباً سياسياً يسعى للحكم، بل مجموعة ضغط متخصصة هدفها الوحيد ضمان الدعم الأمريكي لإسرائيل.

تبني شبكة نفوذ عابرة للحزبية داخل الكونغرس والإدارة والإعلام.

تركز على ملفات محددة: التمويل العسكري، الدعم الدبلوماسي، الحماية في المحافل الدولية.

لا تدخل في صدام مباشر مع القوى السياسية الأمريكية، بل تعمل عبر بناء تحالفات مع الديمقراطيين والجمهوريين على السواء.

النتيجة:
نفوذ ثابت ومستمر، بغض النظر عن من يحكم البيت الأبيض أو يسيطر على الكونغرس.

خطورة السلطة المباشرة على المشروع الإسلامي:

التجارب أظهرت أن الوصول المباشر للسلطة قد يكون أخطر على المشروع الإسلامي من التأثير عن بعد:

السلطة تفتح شهية المال والنفوذ، فيتفكك الهدف الدعوي وتتولد انقسامات داخلية.

الفشل الإداري أو الاقتصادي يضرب شرعية المشروع ويحوّل الدين إلى عبء في نظر الجماهير.

حمل لقب “الحزب الحاكم” يجعل الجماعة هدفاً سهلاً للخصوم في الداخل والخارج، الذين يجدون المبررات لقمعها أو إقصائها.

نحو استراتيجية بديلة:
الإخوان كقوة ضغط إسلامية

هل يمكن للإخوان وغيرهم من حركات الإسلام السياسي أن يتحولوا إلى “إيباك” إسلامي يخدم مصالح الأمة دون السعي المباشر للحكم؟ الفكرة ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى:

  1. تحديد ملفات محددة:
    فلسطين، مكافحة الإسلاموفوبيا، حماية المقدسات، التنمية ومحاربة الفساد والفقر ، دعم المجتمعات المسلمة في الغرب.
  2. احتراف الآليات:
    إنشاء مكاتب لوبي متخصصة، تدريب كوادر على العلاقات العامة والقانون والسياسة الدولية.
  3. حوكمة داخلية صارمة:
    شفافية مالية وآليات محاسبة لمنع الفساد وتضارب المصالح.
  4. العمل عبر الشتات:
    استثمار قوة الجاليات المسلمة في أوروبا وأمريكا لبناء نفوذ داخل المؤسسات المؤثرة.
  5. فصل الدعوي عن السياسي:
    حماية العمل الدعوي من الاستغلال السياسي، وفصل الموارد والمؤسسات لتجنب تضارب الأهداف.
  • السودان… وضرورة إنتاج نموذج مختلف

اليوم، يقدّم السودان مثالاً صارخاً على خطورة الجمود السياسي وصراع النفوذ. الحرب المدمرة بين الجيش والدعم السريع منذ 2023 أودت بحياة عشرات الآلاف وشردت الملايين، فيما يتقاذف الإقليم والدول الكبرى أوراق النزاع لتحقيق مصالحها. وسط هذا المشهد، يصبح التفكير في نموذج سياسي مختلف ليس ترفاً، بل شرطاً لبقاء الدولة والشعب.

خطة عمل من 10 نقاط لتجنب حروب جديدة

  1. وقف فوري للنزاع المسلح عبر ميثاق وطني مدعوم شعبياً وإقليمياً، مع تفعيل العداله وضمان عدم الافلات من العقاب.
  2. حماية المدنيين كأولوية أولى لأي عملية سياسية.
  3. إنشاء مجلس وطني انتقالي يضم القوى السياسية والمدنية بلا استثناء.
  4. إصلاح مؤسسي تدريجي تحت إشراف مدني وفقا للقانون.
  5. تحييد الموارد الاقتصادية (مثل الذهب) من الصراع وتحويلها لصالح التنمية.
  6. بناء آليات شفافية مالية صارمة لمنع استغلال المال في تسليح الميليشيات او قيام أي مؤسسات عسكرية وأمنية موازية ومنافسه لمؤسسات الدولة.
  7. تفعيل دور الشتات السوداني برعايتهم اقتصاديا وسياسيا ودمجهم في المشاريع والخطط التنموية الداخلية وتفعيل دورهم للضغط السياسي الخارجي.
  8. اعتماد سياسة خارجية متوازنة تحمي سيادة السودان وتمنع الارتهان لمحاور إقليمية.
  9. استثمار القوة الناعمة (الثقافة، التعليم، الإعلام) لتعزيز الوحدة الوطنية.
  10. تعلّم الدروس من فشل الإسلام السياسي في الحكم: ترك الصراع على السلطة، والعمل كقوة ضغط موحِّدة لا كمنافس سلطوي مفجّر للخلافات.

كلمة أخيرة

قد يكون سقوط التجارب الإسلامية في الحكم مؤلماً، لكنّه يكشف أيضاً الطريق البديل:
التأثير من بعيد عبر أدوات الضغط أكثر أماناً وفعالية من التورط في الحكم المباشر الذي يفتح أبواب الفساد والانقسام.
وإذا نجح السودان — عبر قواه السياسية والإسلامية والمدنية — في إنتاج نموذج مختلف، فإنه لن يجنّب نفسه فقط حرباً جديدة، بل سيقدّم للأمة كلها درساً عملياً:
أن النفوذ الدائم يُبنى بالوعي والمؤسسات والضغط الذكي، لا بالرصاص والانقلابات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews