جريمة الفاشر: معركة مصير وطن تتطلب وحدة أمة

ممدوح ساتي – السودان- مراسلين
في صباح دامٍ آخر، أضافت قوات الدعم السريع إلى سجلها الحافل بالانتهاكات جريمة مروعة جديدة، حين قصفت بطائرة مسيرة مسجد الصافية بمدينة الفاشر أثناء صلاة الفجر، في التاسع عشر من سبتمبر 2025. الهجوم الذي أودى بحياة أكثر من خمسة وسبعين مصليًا، بينهم أطفال وشيوخ ونازحون، لم يكن سوى حلقة جديدة في سلسلة جرائم استهدفت المدنيين والمستشفيات والمدارس والمقدسات، وسط حصار خانق للمدينة منذ أكثر من عام.
وقد أدانت المنظمات الدولية الهجوم واعتبرته جريمة حرب مكتملة الأركان، لكنه في الوعي السوداني كان أكثر من ذلك:
جرحًا نازفًا في قلب أمة تبحث عن الخلاص.
رؤية “صمود”: استنكار الجريمة وتأكيد رفض الحرب
أمام هذه المأساة، برز صوت حركة “صمود” بقيادة الدكتور عبدالله حمدوك، التي أصدرت بيانًا حازمًا أدانت فيه الجريمة ووصفتها بأنها “استهداف متعمد للمدنيين العزل” و”انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني”.
ودعت إلى تحقيق دولي عاجل لمحاسبة المسؤولين عنها، مؤكدة أن هذه الأفعال لا تسقط بالتقادم.
لكن بيان “صمود” لم يكن مجرد رد فعل، بل جاء في إطار موقفها الثابت من الحرب: رفضها المطلق للحرب كوسيلة للوصول إلى السلطة، وتمسكها بخيار الحلول السياسية الشاملة التي تقود إلى دولة مدنية ديمقراطية.
معوقات العودة والعمل من الداخل
ورغم اتساع حضورها الدولي الخارجي، فإن قيادات “صمود” لا تستطيع العودة إلى الداخل بسبب أوامر قبض صادرة من النيابة العامة على خلفية اتهامات متصلة بمواقفها السياسية.
هذا الوضع يعكس جانبًا من التعقيدات التي تحيط بالمشهد السوداني، حيث تختلط الحسابات القانونية بالاستقطابات السياسية، ويُحرم الوطن من مساهمة تيارات مدنية مؤثرة في لحظة يحتاج فيها السودان لجهد وطني مشترك يحافظ على الدولة ويساعد في احلال السلام ويكرس العداله.
إنجازات الجيش السوداني الأخيرة: انتصارات تعيد الثقة
رغم قسوة الحرب وضخامة التضحيات، فإن الجيش السوداني استطاع أن يسجل انتصارات فارقة قلبت موازين الصراع، وأثبتت أن البلاد ما زالت تمتلك القدرة على حماية نفسها.
فقد تمكن من تحرير مدينة سنار وإعادة فتح الطريق الحيوي نحو الجزيرة، قبل أن يواصل تقدمه في قلب ولاية الجزيرة محررًا مدينة ود مدني من قبضة المليشيا، وهو إنجاز استراتيجي أعاد الروح إلى ملايين المواطنين الذين كانوا تحت رحمة الفوضى.
ولم تتوقف الإنجازات عند ذلك، بل امتدت إلى العاصمة الخرطوم حيث استعادت وحدات الجيش مواقع سيادية بارزة مثل القيادة العامة والجسور الحيوية قبل أن تحرر العاصمة القومية بالكامل، لتؤكد أن قلب الدولة لا يمكن أن يسقط بيد المليشيا.
كما نجح الجيش في تثبيت خطوط دفاع متينة حول الأبيض والفاشر، مانعًا الدعم السريع من تحقيق هدفه المعلن بالسيطرة الكاملة على غرب السودان.
هذه التطورات الميدانية لم تُعِد الأمل فقط، بل جسدت حقيقة أن الجيش يخوض معركة مصير أمة، ويقف اليوم كالسد الأخير الذي يحمي الشعب والدولة من الانهيار الكامل.

تلاقي “صمود” وحكومة الأمل: ضرورة تاريخية
في ظل هذه التحديات، تبرز الحاجة الماسة إلى توحيد الجهود الوطنية.
فـ”صمود” التي ترفع راية السلام من الخارج، وحكومة الأمل برئاسة الدكتور كامل إدريس التي تباشر مهامها التنفيذية في الداخل، يمكن أن يشكلا معًا ركيزة مشروع وطني جامع، يوازن بين المقاومة العسكرية لحماية الأرض والشعب، والرؤية السياسية لإعادة بناء الدولة.
نجاح هذا التلاقي مرهون بقدرة القوى السياسية على تجاوز مناكفاتها المقيتة، والالتفاف حول المعركة الحقيقية: معركة بقاء السودان كدولة وأمة.
معركة مصير وطن
إن ما جرى في مسجد الفاشر ليس مجرد حادثة عابرة، بل تذكير مأساوي بطبيعة المعركة التي يخوضها السودانيون اليوم.
معركة ضد مليشيا مجرمة جعلت من استهداف المدنيين والمقدسات سياسة ممنهجة، ومعركة من أجل استعادة الدولة وحماية وحدة الوطن.
في مواجهة هذا الواقع، يصبح دعم الجيش في مهامه الوطنية، وتكامل جهوده مع القوى المدنية الديمقراطية، الخيار الوحيد لإنقاذ السودان.
إنها معركة وجود، لا مكان فيها للمزايدات السياسية، ولا خيار فيها سوى الانتصار للشعب وللوطن.
