مقالات

مبادرة ترامب لتحرير الأسرى ومحاولة خلق صراع فلسطيني فلسطيني

بقلم: رائد الجحافي

خلال فعاليات الدورة الثمانين للجمعية العمومية للأمم المتحدة 2025 في نيويورك، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعقد اجتماع هام مع وفود عدد من الدول العربية والإسلامية، أهمها قطر، السعودية، تركيا، باكستان، مصر، الإمارات، الأردن وإندونيسيا، وذلك على هامش الجمعية..

وتركزت تحركات ترامب على محاولة إنهاء الحرب في غـزة والتوصل إلى وقف دائم للحرب، مع التركيز على استعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، وكان الرئيس ترامب وصف الاجتماع بأنه “الأهم في يومه” وشدد على أهمية دور هذه الدول لوقف الحرب وإعادة الحياة إلى مسارها الطبيعي في الشرق الأوسط..

ترامب قدم مزعوم خطة سلام شاملة تتضمن 21 نقطة لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غـزة، وتنظيم الأوضاع الأمنية والسياسية، مع استبعاد حركة حمـاس من العملية السياسية، ودعوة لإشراك السلطة الفلسطينية في إدارة غـزة، رغم معارضة إسـ ـرائـ ـيل التي أبلغها نتنياهو بالخطة..

خلال الاجتماع، دعا ترامب إلى توظيف قوات من الدول العربية والإسلامية كقوة سلام تحل محل الجيش الإسرائيلي بعد انسحابه من غـزة، مع تأكيده على ضرورة إنهاء الصراع بطريقة تضمن السلام والتنمية المستقبلية للمنطقة..

وجاءت ردود فعل قادة الدول المشاركة بشكل إيجابي، حيث أكدوا على ضرورة وقف الحرب كتوجه أولي لتحقيق السلام، مع تأكيد أمير قطر على أهمية دور ترامب وقيادته لتحقيق ذلك، وأبدى رئيس تركيا أردوغان رضاه عن فاعلية الاجتماع ونتائجه..

وتأتي هذه التحركات في وقت يتزايد فيه الضغط الدولي لإنهاء الحرب في غـزة، في ظل موجة اعترافات بدولة فلسطين، وتهديدات إسرائيلية بالضم..

إجتماعات ترامب مع هذه الدول تعكس محاولته لإظهار دور قيادي وإقليمي في قضايا الشرق الأوسط تعزز من نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، خصوصاً بعد فوزه بالانتخابات الأخيرة 2024..

كما جاء تركيز ترامب على إشراك الدول العربية والإسلامية كـ حلفاء في الحل السياسي للمشكلة في غـزة ليعكس تحولا في دبلوماسيته التي تميل إلى التعامل المباشر مع قضايا الأمن الإقليمي عبر شراكة إقليمية مستدامة..

وكانت تحركات ترامب مع وفود الدول العربية والإسلامية في الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للأمم المتحدة 2025 تصب في إطار دفع مبادرة لوقف الحرب في غـزة وإعادة بناء السلام بالمنطقة، وذلك عبر خطة عملية تتمحور حول إنهاء القتال، إطلاق سراح الأسرى، ودور فاعل للدول العربية الإسلامية في تحقيق الاستقرار ما بعد الحرب..

هذه التحركات تضمنت جهوداً دبلوماسية مكثفة لإيجاد توافق على رؤية جديدة للسلام في المنطقة مع مراعاة المصالح السياسية والدينية المتشابكة داخل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي..

مبادرة ترامب للسلام في غزة تؤثر بشكل معقد وعميق على موازين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، إذ تعكس تصميماً أمريكياً لإعادة رسم الخريطة السياسية والأمنية في المنطقة بشكل يعزز النفوذ الأمريكي والإسرائـيلي على حساب الفلسطينيين والقوى الإقليمية الأخرى.

ولهذه المبادرة تأثيراً عميقاً على موازين القوة من خلال تعزيز الهيمنة الإسرائـيلية، لأن هذه المبادرة تدعم توجه اليمين الإسـرائــيلي المتشدد بقيادة نتنـياهو، حيث تكرس خطة ترامب وضع إســرائـيل كقوة احتلال دائمة في الضفة الغربية، وتم التلميح إلى أن واشنطن قد تأخذ على عاتقها مسؤولية إدارة غـزة بعد الحرب، ما يقلص فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة.
هذا يدعم دور اليمين الإسرائـيلي ويقوض فرص السلام القائم على حل الدولتين..
كما أن هذه المبادرة تلغي فعلياً وجود حركة حمـاس كطرف فاعل سياسي، وتشجع على إشراك السلطة الفلسـطـينية التي تقيم علاقات طيبة مع الإسـرائيليين والولايات المتحدة، ما يضعف المقـاومة الفـلسطــينية التقليدية ويؤدي إلى التأثير على نجاح تحقيق أي مصالح وطنية للفلسطينيين، مع احتمال تصعيد مقـاومة غير منظمة كرد فعل لذلك.
وهذه الخطة التي يجري تقديمها كخطة تحتوي على تحكم طويل الأمد في غزة ومخططات عسـكرية وسياسية، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض موقعها كلاعب رئيسي يفرض “السلام بالقوة” ويعيد شكل النفوذ الأمريكي بديلاً عن السياسية التقليدية للحياد أو الوساطة، ما قد يعزز تحالفاتها مع دول الخليج وإسرائـيل مقابل تهديد إيران وحلفائها.
بالإضافة إلى نوايا واشنطن في تفكيك التحالفات الإقليمية التقليدية من خلال الضغط على علاقات إيـران مع حلفائها في المنطقة، وتدفع السعودية والإمارات وغيرها نحو مزيد من التقارب مع واشنطن وإسرائيل، وهذا الأمر قد يزيد من الاستقطاب الطائفي والفصائلي في المنطقة ويثير انقسـامات جديدة داخل المجتمعين العربي والإسلامي.

كما أن المبادرة جلبت ردود فعل متباينة، إذ رحب بها بعض قادة الدول العربية المشاركين في الجمعية العمومية، لكن مراقبين يرون أنها قد تؤدي إلى مزيد من التوترات وتأجيل حل الصراع الفلسطيني الإسرائـيلي، وربما دفع بعض الفصائل إلى العـنـف كردة فعل على غياب الحل العادل..

بشكل مختصر هذه المبادرة تعيد تشكيل موازين القوى لصالح إسـرائــيل والولايات المتحدة الأمريكية، وتضعف القوى الفاعلة التقليدية في المنطقة مثل حمـاس والسلطة الفلسطـينية، كما تعزز الدور الأمريكي الإقليمي باستخدام القـوة وفرض شروط السلام التي تصب في تحقيق المصلحة الاستراتيجية للسلطة الأمريكية الجديدة، وهذا الأمر يعيد رسم خريطة النفوذ الإقليمي عبر تعزيز تحالفات إسرائـيلية-خليجية على حساب التوازنات القائمة ويزيد من احتمالات تصعيد الصـراعات الإقليمية, بالتالي السلطة الأمريكية التي تعمل على تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة قطاع غزة واستبعاد حركة حمـاس، يفتح المجال لنوع من “السلام بالقوة” الذي قد يعيد ترتيب القوى نحو مزيد من الهيمنة الأمريكية-الإسرائـيلية مع تحديات كبيرة للاستقرار الذي يكون تحقيقه لفترة زمنية محدودة فقط..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews