مقالات

الخطة الأمريكية لوقف الحرب على غزة


بقلم: د. أحمد أحمد

لقد قال نتنياهو بالأمس بعد اجتماعه بترامب: “من كان سيصدق أن نرى الحكومات العربية تضغط على حماس لتوافق على الخطة المطروحة لإنهاء الحرب”. إن الخطة الحالية المفروضة على الجانب الفلسطيني ولا أقول المطروحة عليه، لأن الفلسطينيين بجميع أطيافهم تم استثناؤهم من مداولات تشكيل ملامحها، فهي جاءت بالدرجة الأولى لتحقيق أهداف معينة لم تستطع إسرائيل تحصيلها بالحرب، ولإيجاد مخرج يحفظ ما تبقى من ماء الوجه لإسرائيل ويخفف الضغط الشعبي العالمي عنها، ويرفع وصمة العار عن قادتها، ولربما تتسبب بمنح ترامب جائزة نوبل للسلام التي يتمناها.

لقد كانت أهداف إسرائيل عند بداية الحرب تتلخص فيما يلي:
١- إعادة احتلال غزة (فشلت في السيطرة الآمنة داخل القطاع حتى هذه اللحظة)
٢- تهجير قسم كبير من سكان غزة إن لم يكن كل السكان (فشلت في ذلك)
٣- إعادة الاستيطان إلى غزة، تشكل هذا الهدف عند اليمين الصهيوني من مثل بن غبير وسموتريتس خلال الحرب (فشلت في ذلك)
٤- تدمير قدرة حماس العسكرية (لم يحدث خلال الحرب ولكنه سيحدث إن تم تفعيل الخطة الحالية)
٥- منع حماس من إدارة غزة مستقبلاً (نجحت في ذلك حال تنفيذ هذه الخطة)
٦- استمرار الفصل السياسي بين غزة والضفة الغربية (نجحت في ذلك حال تنفيذ هذه الخطة)
٧- ردع الفلسطينيين وجميع الدول المحيطة، بحيث لا تفكر مستقبلاً بعمل شئ مشابه لعملية ٧ أكتوبر (الحكم بالفشل أو النجاح سيظهر في المستقبل، ولا يمكن الحكم عليه الآن)
٨- تحرير الأسرى الإسرائيليين (فشلت في ذلك عبر العمليات العسكرية، ولكنها ستنجح في ذلك إذا تم تنفيذ الخطة الأمريكية).
بالنظر إلى ما آلت إليه الأمور حتى الآن فإن إسرائيل فشلت عبر الحرب في تحقيق أي هدف من أهدافها، وأن كل نجاحاتها التي ستتحقق هي فقط عبر هذه الخطة الأمريكية، ولهذا أعتبرها خطة ستتيح لإسرائيل تحقيق بعض أهدافها التي عجزت عنها طوال عامين من القصف والقتل الممنهج والتضييق والطرد القسري وهدم المنازل والبنية التحتية والحصار الخانق.

أما أهداف المقاومة فكانت:
١- تحرير أكبر قدر من الأسرى الفلسطينيين (نجح بشكل جزئي)
٢- رفع الحصار عن قطاع غزة (نجاح جزئي حال تطبيق هذه الخطة، لكنه مرتبط بمدى جدية مجلس السلام في فعل ذلك حسب الخطة الجديدة)
٣- تحريك المسار السياسي باتجاه قيام دولة فلسطينية (تحقق تقدم جزئي نحو هذا الاتجاه ولكنه ما زال بعيد المنال، والخطة المطروحة لا تقدم أي تعهد بذلك).

إن بعض الأنظمة العربية، كما جاء في كتابات أحد الصحفيين الأمريكيين الذين رافقوا وزير الخارجية الأمريكي السابق إلى المنطقة، كانت تشجع إسرائيل منذ البداية على القضاء على حماس وأي فصيل مقاوم ولكن بسرعة وبأقل عدد من الضحايا المدنيين لتجنب غليان الشارع العربي مع مرور الوقت، فهذه الأنظمة ترى في بقاء النموذج المقاوم خطراً قد تنتقل عدواه إليها، كذلك بقاء العمل المقاوم يعطل قطار التطبيع، ويكشف سوءات الخنوع العربي الرسمي بجيوشه وميزانيات دفاعه. لذلك اشتركت الإدارة الأمريكية وإسرائيل وبعض الأنظمة العربية في هدف واحد وإن اختلفت أسباب ومبررات كل طرف منهم، وهذا الهدف هو إنهاء الحالة المقاومة في غزة.

إن الألم الذي صمد أمامه شعب غزة ليس كمثله ألم، وحجم التضحيات عظيم، والمصاب جلل، ولذلك لا يحق لي ولامثالي التنظير عليهم ماذا يجب أن يقبلوا وماذا يجب أن يرفضوا، فلهم كامل الحق في الحياة الكريمة والحرية كباقي البشر، ولكني ألخّص تحليلاً لما يجري وملاحظاتي عليه.

هنالك العديد من الملاحظات المهمة حول هذه الخطة، والشيطان يكمن في التفاصيل التي لم تعلن وربما يكون بعضها غير معلوم حتى لمن كتبها، وهذه فقط عينة من هذه الملاحظات ولا يتسع المجال للتوسع، فالنقاط المبهمة أكثر من الواضحة فيها:
١- تم تهميش جميع الأطراف الفلسطينية عند صياغة هذه الخطة.
٢- خلو الخطة من أي مرجعية دولية مثل الأمم المتحدة/مجلس الأمن تضمن تفعيل آليات أو ضمانات ذات وزن.
٣- خلو الخطة من أي جداول زمنية عدى إرجاع الأسرى الإسرائيليين (خلال ٧٢ ساعة من الموافقة عليها).
٤- خلو الخطة من أية إشارة إلى قيام دولة فلسطينية أو حتى وضع الدولة الفلسطينية كهدف نهائي، بل اعترفت فقط بتطلعات الفلسطينيين نحو قيام دولة، وهذا وصف لحال الفلسطينيين وليس إقراراً بحقهم في ذلك.
٥- تم التأكيد على منع السلطة الفلسطينية من أي دور في إدارة القطاع، فبأي مسمى يا ترى سيتم إصدار الوثائق الرسمية كبطاقات الهوية وجوازات السفر.
٦- خلو الخطة من أية إشارة إلى رفع الحصار عن غزة، والاكتفاء بذكر إدخال المساعدات.
٧- ما هو مصير الموظفين المدنيين خصوصاً في سلك التعليم والصحة ممن هم محسوبون على حركة حماس؟
٨- هل ستحصل ملاحقات لأفراد حماس وبقية فصائل المقاومة بعد انتهاء الحرب واستلام لجنة السلام لملف إدارة القطاع؟
٩- ما هو نوع العلاقة بين القوات العربية والإسلامية مع سكان القطاع؟
١٠- ما هي حدود صلاحيات مجلس السلام؟ هل هو يوازي صلاحيات المندوب السامي أيام الاحتلال البريطاني الذي كان متواطئاً بالكامل مع الحركة الصهيونية، وحقق أهدافها بالنيابة عنها، وبالتالي سيصبح هذا المجلس يعمل بالنيابة عن إسرائيل.
١١- ما هي خيارات الفلسطينيين في مواجهة أي تعنت او استبداد أو ظلم قد يمارس ضدهم من قبل مجلس السلام او القوات العربية/الإسلامية؟
١٢- تم الحديث عن توسيع الاتفاقات الإبراهيمية كنتيجه لوقف الحرب في غزة، وهذا يعني سلاماً مع معظم أو جميع الدول العربية ودون حل جذري للقضية الفلسطينية أو حتى وعد بالحل النهائي، بل ربما تصفيتها بالحلول الأمنية والاقتصادية.
١٣- في حال فشل مجلس السلام في إدارة القطاع أو قرر الانسحاب مستقبلاً من هذه العملية تحت أي ذريعة، هل يعني ذلك السماح لإسرائيل بإعادة احتلال القطاع تحت ذريعة منع حدوث فراغ تستغله “الحركات الإرهابية”، وهذه المرة مع عدم وجود مقاومة مسلحة سيكون احتلالاً سهلاً وسريعاً كما حدث عام ١٩٥٦ وعام ١٩٦٧.

هذا غيض من فيض، حمى الله غزة وأهلها من كيد الكائدين وخيانة الخائنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews