مقالات

في أعالي البحار الاعتقال والغموض يلفان أسطول كسر حصار غزة

بقلم : وليد شهاب

في بحر من الأمواج المتلاطمة والمواقف المتشابكة، تشق عشرات السفن طريقها عبر المياه الدولية باتجاه شواطئ محاصرة، حاملة بين جوانحها أصواتاً ترفض الصمت وأملاً يحاول اختراق جدار العزلة. إنه أسطول الصمود العالمي، ذلك المشروع الإنساني الذي تحول في ساعات الصباح الأولى ليوم الخميس إلى مسرح لمواجهة بحرية أثارت تساؤلات عميقة حول حدود السيادة وطبيعة القانون الدولي.

في مشهد يذكر بالحكايات الأسطورية عن مغامري البحار، وجدت السفن المشاركة في الأسطول نفسها محاصرة بوحدات بحرية إسرائيلية في موقع يبعد حوالي سبعين ميلاً بحرياً عن شواطئ قطاع غزة. وفقاً للبيانات الصادرة عن منظمو الأسطول، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي نفذت عملية اعتراض متعددة المحاور استهدفت قوارب “سبكتر” و”ألما” و”سيريوس” وغيرها من السفن في منطقة توصف بأنها مياه دولية، مما يضع الحدث في إطار قانوني معقد.

الصور والمقاطع المصورة التي بثتها وزارة الخارجية الإسرائيلية أظهرت لحظات الاعتراض وتفاصيل العمليات، بما في ذلك مشاهد للناشطة السويدية الشهيرة غريتا تونبري وهي تجلس على سطح أحد القوارب محاطة بعدد من الجنود. هذه المشاهد التي التقطتها كاميرات المراقبة قدمت رواية بصرية عن طريقة التعامل مع النشطاء على متن السفن المعترضَة. من جهتها، سعت الدبلوماسية الإسرائيلية إلى تقديم تبريرات لعملية الاعتراض، معتبرة أن الأسطول يتبع لحركة حماس، في محاولة لإضفاء شرعية على الخطوة التي تمت خارج الحدود الإقليمية المعترف بها.

التكوين الجغرافي للأسطول يقدم لوحة مثيرة للاهتمام من ناحية التكتيك البحري، حيث يضم قرابة خمسين سفينة تتقدم في تشكيل مجموعات تفصل بينها مسافات تصل إلى عدة أميال بحرية، مما يجعل المسافة الإجمالية بين سفن المقدمة وسفن المؤخرة تقارب العشرين ميلاً. هذا التباعد المكاني جعل من عملية الاعتراض مهمة معقدة تتطلب تنسيقاً عالياً من الجانب الإسرائيلي.

على صعيد الدعم الدولي، شهدت العملية مشاركة ملحوظة من قبل القوى الأوروبية، حيث نشرت كل من إيطاليا وإسبانيا سفناً تابعة للبحرية لمرافقة الأسطول، في خطوة وصفت بأنها تهدف إلى تقديم المساعدة في عمليات الإنقاذ والاستجابة للاحتياجات الإنسانية الطارئة. لكن هذه السفن العسكرية توقفت عن متابعة الأسطول عندما وصل إلى مسافة مائة وخمسين ميلاً بحرياً من غزة، وذلك لأسباب تتعلق بمعايير السلامة كما أعلنت رسمياً.

في سياق التطورات الميدانية، أفاد مركز عدالة الحقوقي في حيفا، الذي يتابع التطورات المتعلقة بأسطول الصمود، بأن قوات الاعتراض الإسرائيلية استطاعت اعتراض عشرين سفينة من أصل أكثر من أربعين سفينة مشاركة، بينما لا يزال مصير عدد من السفن الأخرى مجهولاً بعد انقطاع الاتصال بها. جاء ذلك في بيان للأسطول العالمي أشار إلى أن عملية الاعتراض تمت بشكل منظم وشامل.

البيان الصادر عن مركز عدالة حمل إدانة قوية لعملية الاعتراض، ووصفها بأنها غير قانونية، مؤكداً أن أسطول الصمود العالمي يمثل بعثة إنسانية سلمية تهدف إلى كسر الحصار غير القانوني المفروض على غزة وفتح ممر إنساني في ظل استمرار ما وصفه بالفظائع وجريمة الإبادة الجماعية. وأضاف البيان أن اختطاف مدنيين سلميين في المياه الدولية أثناء توجههم إلى المياه الإقليمية الفلسطينية يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.

من الناحية القانونية، أعلن المركز عن نيته تمثيل النشطاء في الأسطول أمام السلطات الإسرائيلية، والطعن في احتجازهم غير القانوني المتوقع. كما طالب البيان السلطات الإسرائيلية بوقف عمليات الاعتراض غير القانونية فوراً، والسماح للأسطول بالوصول إلى غزة، وضمان الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين والمعتقلات، وإعادة السفن والمساعدات المصادرة، وتمكين المشاركين من إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عرقلة.

هذه التطورات تطرح أسئلة قانونية وسياسية عميقة حول طبيعة الصلاحيات في المياه الدولية، وحقوق السفن المدنية في الإبحار، وحدود تدخل القوات العسكرية في مواجهة نشطاء سلام يحملون مساعدات إنسانية. كما تثير تساؤلات حول مستقبل الجهود الإنسانية الهادفة إلى تخفيف المعاناة في المناطق المحاصرة، وإمكانية تطوير آليات دولية أكثر فعالية لحماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني. المشهد الأخير في هذه الملحمة البحرية الإنسانية يبقى مفتوحاً على احتمالات متعددة، بينما تستمر الجهود الدبلوماسية والقانونية لمعالجة تبعات عملية الاعتراض ومصير النشطاء المحتجزين. القضية برمتها تذكر العالم بأن البحر، ذلك الفضاء الحر بامتياز، يمكن أن يتحول إلى ساحة لصراعات تعكس تعقيدات السياسة وحدود القانون، بينما يبقى المدنيون العزل وحلمهم الإنساني البسيط رهينة لمعادلات القوة والسلطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews