في قطاع غزة.. شاطئ البحر هو الحضن الأخير للحياة

إسماعيل نوفل- مراسلين
غزة – في قطاع غزة المحاصر، حيث لا يمر يوم دون صوت القصف ورائحة البارود، يعيش الناس على حافة الموت، بين فقدٍ دائم وخوف لا يغادرهم. البيوت تتحول إلى ركام، والأحياء إلى ذكريات، فيما الأرواح المنهكة تبحث عن لحظة نجاة أو ومضة أمل.
وسط هذا الجحيم، لا متنفس حقيقي للأهالي سوى بحر غزة، حيث يتجهون هربًا من الوجع، من الضيق، من أخبار الشهداء والمفقودين. يجلسون على الشاطئ بصمت، يحدقون في الأفق وكأنهم يسألون الموج: هل من حياة بعد كل هذا الموت؟ البحر هنا لا يقدّم إجابات، لكنه يحتضن حزنهم، ويمنحهم لحظة هدنة.

وهذا ما فعلته سلوى نبهان وهي أم لـ 5 أطفال، فلم تجد متنفسًا لها ولأطفالها سوى شاطئ البحر، تهرب إليه من الواقع المرير الذي عاشوه في مدينة غزة، والذي يلاحقها كما يلاحق كافة أهالي القطاع المحاصر.
شهدت نبهان خلال تواجدها غرب مدينة غزة، بعد نزوحها من بلدتها في جباليا شمال قطاع غزة، أصنافًا مختلفة من الخوف والحزن والألم، فقد عاشت كغيرها أهوال القصف الجوي والمدفعي والاجتياح البري لقوات جيش الاحتلال ونسف البيوت باستخدام “الروبوتات المتفجرة” الذي لم يتوقف حتى الآن.

تعيش نبهان هي وأطفالها الخمسة وزوجها، الآن في خيمة نصبتها في منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة، لا تقي حر الصيف ولا البرد الشتاء ولا تحمي من رصاصة أو شظية قد تودي بحياتها.
في حديثها لمراسل شبكة “مراسلين” قالت وهي تأخذ نفسًا عميًا ثم تخرج مع قليلًا الحزن البادي على وجهها: “تعبناااا كثير، وشفنا الموت كثير، جينا للبحر عشان نغير جو شوية، شردنا من قعدة الخيمة ومن هالدنيا”.
وتابعت وهي تراقب أطفالها الذي تركهم ليستمتعوا في البحر ويلعبوا برماله: “لا يوجد متنفس للأطفال سوى البحر، أحضرهم من فترة لأخرى، لكي يفرحوا ويلعبوا قليلًا بعيدًا عن الواقع المؤلم الذي نعيشه”.

وهذا ما وافقها عليه، الحاج أبو حمدي عبد العال الذي قارب عمره على الثمانين عامًا، حيث جاء إلى شاطئ البحر هربًا من الأفكار السوداء التي تراوده من “المجهول” الذي يخيّم على مصير جميع أهالي قطاع غزة.
الحاج أبو حمدي، أُجبر هو وعائلته المكونة من الأبناء والأحفاد، منذ أسبوعين على النزوح من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة إلى وسط القطاع، بعد اشتداد الوضع وتأزّمه كثيرًا على المواطنين، وخاصة بعد مُضي الاحتلال في خطته الهادفة لاحتلال مدينة غزة بعد فرض حصار خانق عليها.
واعتبر هذا النزوح أصعب بكثير من سابقيه بقوله: “لقد خرجنا من مخيم الشاطئ هذه المرة، تحت القصف طائرات الاحتلال وإطلاق النار من قواته، كانت الأوضاع صعبة جدًا، فاضطّررنا إلى النزوح حفاظًا على حياتنا”.
وأردف في حديثه لمراسل شبكة “مراسلين”: “مصيرنا في قطاع غزة مجهول ولا نعرفه، الأخبار سيئة جدًا والاحتلال يحاول فرض خطة التهجير”، وتابع: “تراودني الكثير من الأفكار السيئة إثر الواقع الذي نعيشه في غزة”.

وهربًا من هذه الأفكار السيئة والواقع المرير، لا يجد الحاج أبو حمدي سوى البحر متنفسًا له بقوله: “أتي إلى البحر كثيرًا لأفرغ الكبت المتراكم بداخلي من الأوضاع التي نعيشها، كل يوم بليين رجليّ، وبحاول أشم هواء نظيف على شاطئ البحر كما اعتدت قبل اندلاع الحرب”.
وفي ختام حديث مراسل شبكة “مراسلين مع الأهالي على شاطئ البحر، وخاصة الحاج أبو حمدي والأم سلوى نبهان، أجمعوا على أن لا رسالة للعرب أو المسلمين فقد يأسوا من مناشداتهم لعامين تقريبًا لكن دون جدوى، وهم لا ينتظرون الفرج إلا من الله وحده -سبحانه وتعالي.

