تقويضٌ للمعايير وتسييسٌ للمؤسسات…”ترامب” يعيد تشكيل المؤسسات بما يتماشى مع أهدافه السياسية

ترجمة وتحرير: عصام حريرة– مراسلين
خلاصة:
- تعتبر إقالة إدارة “ترامب” للعديد من كبار المسؤولين العسكريين جزءًا من جهودها المستمرة لإعادة تشكيل المؤسسات الأمريكية لصالحها.
- تُخاطر هذه الإجراءات بتقويض المعايير المدنية العسكرية الراسخة، وتقويض الحواجز القانونية، وفي نهاية المطاف تسييس الجيش الأمريكي.
- يُهدد توسيع التدخل العسكري، والذي وصل إلى إنفاذ القانون المحلي، بزيادة طمس الخطوط الفاصلة بين الأدوار المدنية والعسكرية، ما يزيد من خطر حدوث رد فعل عنيف كبير.
إصلاح “ترامب” لجهاز الأمن القومي يسير بخطى سريعة:
لقد تسارعت جهود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإعادة تشكيل المؤسسات بما يتماشى مع أهدافه السياسية الرئيسية، منذ عودته إلى منصبه في كانون الثاني/ يناير 2025، فيما كانت القوات المسلحة هدفًا رئيسيًا. فقد أُقيل أو أُعيد تعيين ما لا يقل عن 15 مسؤولًا عسكريًا كبيرًا تحت إشراف “ترامب”، بمن فيهم رئيس هيئة الأركان المشتركة (أعلى منصب عسكري في البلاد)، ورئيس العمليات البحرية، واثنان من كبار المحامين العسكريين من الجيش والقوات الجوية.
وهناك اتجاهان رئيسيان يدعمان هذه الإقالات:
أولًا: استهدفت حملة صريحة مناهضة لمبادئ التنوع والمساواة والشمول (DEI) بقيادة وزير الحرب، بيت هيجسيث، القادة العسكريين المرتبطين بمثل هذه المبادرات.
ثانيًا: يبدو أن هناك محاولة لمركزية السلطة التنفيذية على الأمن القومي، من خلال تعيين “الموالين” لأجندة “ترامب” في مناصب رئيسية، وبالتالي تقليل المعارضة الداخلية للمبادرات غير التقليدية المحتملة.

من جهتهم، يجادل منتقدو “ترامب” بأنه يفضل الولاء الشخصي على الخبرة والمؤهلات؛ فعلى سبيل المثال تطلّب ترشيحه للفريق المتقاعد، دان كين، رئيسًا لهيئة الأركان المشتركة إعفاءً رئاسيًا لأنه لم يستوفِ العديد من المتطلبات القانونية لهذا المنصب؛ فيُنظر إلى الرجلين على أنهما قريبان أيديولوجيًا منذ لقائهما الأول في العراق عام 2018. إضافةً لذلك، فإن إقالة مدير وكالة استخبارات الدفاع، الفريق جيفري كروس، في الـ22 من آب/ أغسطس 2025، بسبب تقييم مُسرب يُناقض مزاعم “ترامب” حول فعالية الضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية في حزيران/ يونيو، تُشير إلى عدم تسامح الإدارة مع المشورة والتحليل المستقلين. وبالتالي، فإن التغييرات القيادية قد تؤدي إلى تراجع الوضع غير الحزبي للجيش الأمريكي، كما إن إعادة هيكلة جهاز الأمن القومي، والتي تبدو مسيسة، تفرض مخاطر متعددة على مصداقية وفعالية العمليات العسكرية الأمريكية، ومن هذه المخاطر ما يلي:
- إن تعيينات الموالين المفترضين، الذين غالبًا ما يكونون أقل تأهيلًا من أسلافهم، وقمع وجهات النظر البديلة يهدد بتقويض فعالية الجيش الأمريكي وأجهزة الاستخبارات. وكما رأينا في قضية وكالة استخبارات الدفاع مع إيران، فإذا تم تثبيط المسؤولين عن تقديم تقييمات دقيقة ومستقلة، فإن هذا يزيد من خطر التقليل من شأن الخصوم أو في بعض الحالات المبالغة في تقديرهم، وأن التهديدات قصيرة وطويلة الأجل للأمن القومي الأمريكي لن تتم معالجتها بشكل صحيح.
- قد تؤدي سطوة النفوذ التنفيذي على تقييمات التهديدات التي تنتجها المجتمعات العسكرية والاستخباراتية، إلى تآكل المشورة الداخلية والتحذيرات من العمليات عالية المخاطر، والتي يحتمل أن تكون خاطئة التقدير على الأراضي الأجنبية (مثل إيران وفنزويلا). وقد يقلل هذا من قدرة كبار الضباط على القيام بالدور الرقابي على التوجيهات الرئاسية.
- إن الأساس المنطقي الذي ذكره “هيجسيث” لطرد كبار المدعين العموم لصالح المحامين العسكريين الذين لا يعملون كـ”حواجز طرق” يثير مزيدًا من المخاطر؛ حيث تتمثل مهمة المدّعين العموم في تقديم المشورة للقادة العسكريين بشأن مدى قانونية أوامرهم. وقد يتعرض المعينون الجدد لضغوط من الإدارة لإضفاء الشرعية على استخدامات غير تقليدية للجيش، تتعارض مع القانون المحلي والدولي. والجدير بالذكر أن “ترامب” أمر بشن ضربتين على سفن زُعم أنها تُتاجر في المخدرات قبالة سواحل فنزويلا، مع إفلات واضح من العقاب، رغم إدانة محامين عسكريين سابقين لهذه الإجراءات باعتبارها غير قانونية.
- إن تعميق تسييس جيش محايد تقليديًا يُقوّض ثقة الجمهور، وقد يتأثر التجنيد والاحتفاظ بالعسكريين سلبًا، لا سيما وأن العديد من التدابير المناهضة للتنوع والشمول حتى الآن استهدفت النساء في المناصب العليا، ما يُرسل إشارات سلبية إلى أفراد الخدمة الحاليين والمحتملين.

توحيد المؤسسة العسكرية على يد السلطة التنفيذية سيستمر:
بالنظر إلى ما تبقى من ولاية “ترامب” (حتى كانون الثاني/ يناير 2029)، من المتوقع أن تواصل الإدارة إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية مع مقاومة ضئيلة وفعالة، وهناك عدة عوامل تعزز هذه النظرة:
- يستفيد الرئيس من مجلس شيوخ بقيادة جمهوريين، والذي من المرجح أن يؤكد ترشيحاته ويسمح له بتجاوز قنوات الترقية التقليدية لصالح المرشحين المفضلين، فقد واجهت “إعادة هيكلة” “ترامب” مقاومة ضئيلة من كبار الشخصيات داخل الجيش.
- تحتفظ الإدارة بقائمة واسعة من الأهداف المحتملة؛ فقد جادل “هيجسيث” بأن الضباط المتورطين في عمليات مثيرة للجدل في ظل الإدارات السابقة، مثل الانسحاب من أفغانستان، لا يزالون معرضين للخطر. كما إن “ترامب” يمكن التأثير عليه من قبل نشطاء اليمين المتطرف في دائرته المقربة، وأوضح مثال على ذلك اجتماع “لورا لومر” في المكتب البيضاوي في نيسان/ أبريل 2025 وعمليات الفصل اللاحقة، ما يوسع نطاق التغييرات المحتملة.
- تحظى الحملة المناهضة لـ”DEI” بدعم حزبي قوي؛ فقد سلطت وسائل الإعلام المحافظة الأمريكية الضوء على شخصيات عسكرية إضافية، اعتبرت ضعيفة بسبب دعمها لمبادرات التنوع.
- إن مبررات الإدارة الفضفاضة للفصل (الخيانة، عدم الولاء… إلخ) تخلق بيئة متساهلة للفصل بدوافع سياسية، تحت ذريعة واسعة النطاق وهي حماية الأمن القومي. وكما قال “ترامب” نفسه في نيسان/ أبريل 2025، “سنتخلى دائمًا عن الناس؛ الأشخاص الذين لا نحبهم أو الأشخاص الذين يستغلونهم، أو الأشخاص الذين قد يكون لديهم ولاءات لشخص آخر”.

عسكرة الوظائف المدنية ستظل مثيرة للجدل:
بالتوازي مع إعادة تنظيمه للمؤسسة العسكرية، اتخذ “ترامب” خطوات مثيرة للجدل لتوسيع نطاق العمليات العسكرية لتشمل إنفاذ القانون الداخلي. فقد تم نشر وحدات من الحرس الوطني في مدن مثل لوس أنجلوس وواشنطن العاصمة، بدعوى مكافحة الجريمة، دون طلبات من السلطات المحلية. وفي الـ15 من أيلول/ سبتمبر الجاري، وافق “ترامب” أيضًا على إرسال الحرس الوطني إلى ممفيس، مشيرًا إلى أن شيكاغو ونيو أورلينز وسانت لويس وبالتيمور ستكون مناطق انتشار مستقبلية.
إن جميع هذه المدن السبع تُدار من قبل رؤساء بلديات من الحزب الديمقراطي، ما يوحي بأن الرئيس الجمهوري يُقوض خصومه السياسيين عمدًا. كما إن خطط دمج المحامين العسكريين كقضاة هجرة واستخدام وحدات الحرس الوطني لدعم إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، من شأنها أن تُعيد تقييم دور القوات المسلحة في المجتمع الأمريكي. وأي نشر مُطوّل للحرس الوطني في مجال مكافحة الجريمة يزيد من خطر الاضطرابات الاجتماعية. وقد تزيد القوات القتالية في أدوار الشرطة التقليدية من احتمال وقوع حوادث عنف، بينما يمكن استخدام أي اشتباك بين المتظاهرين والقوات كذريعة لتشديد تدابير الرقابة المحلية التي تشمل الجيش.
المصدر: فيتش سوليوشنز