حصري… فضيحة في أمريكا… خطة إسرائيلية يتم ترتيبها منذ سنوات
رسائل بريد إلكتروني مسربة تكشف تفاصيل عن ما يسمى خطة ترامب لغزة

ترجمة حصرية وتحرير: عصام حريرة-مراسلين
في هذا المقال تكشف رسائل مسربة من بريد إلكتروني عن علاقات وثيقة وتنسيق قوي بين لاري إليسون، مؤسس شركة أوراكل والمؤيد لإسرائيل، وماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، في إطار دعم إسرائيل سياسيًا وإعلاميًا، ومن ضمنها الاستحواذ على منصة “تيك توك” في الولايات المتحدة. وتظهر الرسائل كيف قام “إليسون” بفحص ولاء “روبيو” لإسرائيل، ونسّق مع مسؤولين إسرائيليين لتعزيز هذا الدعم، بينما يوسع “إليسون” دور عائلته في قطاع الإعلام والتكنولوجيا بهدف تعزيز النفوذ الإعلامي والسياسي لصالح إسرائيل، مع التركيز على السيطرة على منصات التواصل الاجتماعي كأداة حاسمة في تشكيل الرأي العام.
في التفاصيل، كل شيء يسير على ما يرام بالنسبة للاري إليسون؛ فمن المقرر أن يتولى الملياردير المؤسس المشارك لشركة أوراكل العملاقة للتكنولوجيا، والذي يعتبر بين الحين والآخر أغنى رجل في العالم، والمؤيد القوي لإسرائيل، دورًا قياديًا في إعادة تشكيل “تيك توك” في الولايات المتحدة. كما يتجه ابنه، ديفيد إليسون، للاستحواذ على قطاعات كبيرة من وسائل الإعلام، بما في ذلك “سي بي إس نيوز” و”سي إن إن” و”ورنر براذرز” و”باراماونت”. ويقال إنه استعان بباري وايس من صحيفة فري برس لتشكيل الاتجاه التحريري.
“تهيمن عائلة إليسون على سوق الاهتمام والبيانات بنفس الطريقة التي تهيمن بها عائلة فاندربيلت على السكك الحديدية وعائلة روكفلر على النفط”، كما وصفتها مجلة “وايرد” مؤخرًا. وسيتم اختبار كيفية تخطيطهم لإدارة هذا الاحتكار فيما يسميه الرئيس ترامب “غزة الجديدة”، وهي منطقة التجارة الحرة التكنولوجية البائسة التي ستديرها هيئة السلام بقيادة توني بلير، الأداة السياسية والتجارية لترامب وإليسون منذ فترة طويلة.

وقد قدّم إليسون أو تعهّد بتقديم أكثر من 350 مليون دولار لمعهد توني بلير؛ حيث استخدم الأخير هذه الأموال لتعزيز رؤيته للدمج بين الحكومة وسلطة الشركات والمراقبة التقنية. وأصبحت شركة أوراكل، من خلال توفير البنية التحتية لقواعد البيانات وخدمات الحوسبة السحابية لشركات ضخمة أخرى مثل فيديكس وإنفيديا، واحدة من أقوى الشركات في العالم بهدوء. فبصفته الدبلوماسي الأعلى في البلاد، لعب وزير الخارجية، ماركو روبيو، أيضًا دورًا في محادثات “تيك توك” التي وجهت الشركة نحو إليسون، بعد أن لعب دورًا رائدًا كسيناتور في شيطنة التطبيق؛ كما شارك عن كثب في طرح خطة ترامب لمستقبل غزة، والتي سيُلّم القطاع بموجبها إلى بلير. وقد كلف صهر ترامب، جاريد كوشنر، معهد بلير في الربيع بوضع خطة لما بعد الحرب لغزة، والتي تم الانتهاء منها مؤخرًا، حسبما ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
ويعود الفضل في وصول “روبيو” إلى هذا المنصب المرموق إلى “إليسون”، الذي كان راعيًا رئيسيًا للسيناتور الكوبي الأمريكي السابق من فلوريدا. فقد فحص “إليسون” ولائه لإسرائيل لأول مرة في أوائل عام 2015، وفقًا لمراسلات بريد إلكتروني لم يتم الإبلاغ عنها سابقًا، والتي استعرضها موقع “دروب سايت”. وبرز “روبيو” كعضو ناشئ في مجلس الشيوخ المحافظ المدعوم من “حزب الشاي” عام 2010، وأطلق حملة رئاسية في دورة عام 2016. وبصفته وزيرًا للخارجية، شن “روبيو” حملة قمع غير مسبوقة على حرية التعبير، واعتقل وحاول ترحيل منتقدي إسرائيل على وجه التحديد معتبرًا انتقادهم لإسرائيل جريمة.
وفي أوائل عام 2015، كان إليسون يرسل بريدًا إلكترونيًا إلى رون بروسور، الذي كان سفيرًا لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، وهو يشغل حاليًا منصب السفير الإسرائيلي لدى ألمانيا. في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى “روبيو” على أنه منافس قوي في السباق الرئاسي للحزب الجمهوري الذي سيضم في النهاية المرشح الأضعف، دونالد ترامب. وتُظهر رسائل البريد الإلكتروني أن الدبلوماسي الإسرائيلي و”إيليسون” اتفقا على لقاء مع بعضهما البعض، حيث طلب “بروسور” رأي “إليسون” في “روبيو” كمرشح محتمل يدافع عن إسرائيل.
وفي 26 أبريل/ نيسان 2015، أرسل “بروسور” بريدًا إلكترونيًا إلى “إليسون” بعنوان “خطاب روبيو”، طالبًا منه إرسال نسخة من خطاب المرشح آنذاك. (لم تُحدد الرسائل البريدية أي خطاب، لكن روبيو كان قد بدأ حملته قبل أسبوع بخطاب انتقد فيه “عداء إدارة أوباما لإسرائيل”). في اليوم التالي، تبادل الرجلان رسائل تُشير إلى أن “بروسور” و”إليسون” تناولا العشاء معًا، وأن الأخير سيلتقي “روبيو” مباشرةً قريبًا. وقال “إليسون”: “أنا أيضًا استمتعت بوقتي يا رون، أتطلع إلى المرة القادمة”، وأضاف: “ملاحظة: سأخبرك كيف كان العشاء مع السيناتور روبيو”.
وفي 30 من الشهر ذاته، أرسل “بروسور” رسالة أخرى إلى “إليسون” للمتابعة، مُشاركًا رقم هاتفه وشكره مجددًا على الأمسية التي قضياها معًا، جاء فيها: “كيف كانت المحادثة مع ماريو روبيو؟ هل اجتاز تدقيقك؟ هل سنحت لك فرصة التحدث عن إسرائيل؟ أودّ التحدث”. وبعد ساعات قليلة، ردّ “إليسون” بالإيجاب: “مرحبًا رون، كان لقاءً رائعًا مع ماركو روبيو. لقد رتبتُ له لقاءً مع توني بلير”، مضيفًا: “سيكون ماركو صديقًا رائعًا لإسرائيل”.
ولا تقتصر روابط أوراكل ومعهد توني بلير “TBI” على المراسلات فحسب؛ فبحلول عام 2023 أصبحت اللقاءات المشتركة أمرًا شائعًا؛ ففي مقر المعهد الكائن في One Bartholomew Place بلندن، كانت الفرق تجتمع في الطابق السفلي مع مسؤولين تنفيذيين من أوراكل… وقد استُضيف كبار موظفي TBI في مقر أوراكل في أوستن بولاية تكساس، بتنسيق من موظف في TBI يتمثل دوره في “توسيع نطاق الشراكة وإدارتها” مع أوراكل. ويتذكر الموظفون السابقون وجود لقاءات مشتركة أخرى “سرية” سابقة في عقارات إليسون بالولايات المتحدة.
فقد قال موظف سابق في TBI: “من الصعب إدراك مدى عمق الارتباط بين المؤسستين”، “كانت الاجتماعات كما لو كانت جزءًا من نفس المؤسسة”.
ومع تعميق شراكة TBI مع أوراكل، أخبر الموظفون أنهم بدأوا يرون موظفي أوراكل يتسللون إلى جداول موظفي TBI ويجدولون الاجتماعات لمعرفة ما يفعله المعهد في بلدان مختلفة و”استكشاف الفرص”، كما يتذكر أحد موظفي TBI السابقين، وبعد فترة وجيزة أصبح موظفو الكيانين يتبادلون مكالمات مشتركة بشكل منتظم.
بمعنى آخر، إذا استمرت العلاقة، فسيكون “إليسون” وأوراكل في وضع يسمح لهما بتولي دور قيادي في إعادة تنمية غزة. ولسنا بحاجة إلى تخمين نوع المجتمع الذي يأمل إليسون في تأسيسه؛ ففي مكالمة هاتفية مع مستثمرين العام الماضي، قال إليسون إن المراقبة الجماعية أمر لا مفر منه، وستُبقي المواطنين على “أفضل سلوك”. وأضاف إليسون: “سنُشرف على ذلك، سيخضع كل ضابط شرطة للإشراف طوال الوقت، وإذا حدثت مشكلة، فسيُبلغ الذكاء الاصطناعي عنها ويُبلغ عنها الشخص المعني. سيُحافظ المواطنون على أفضل سلوك لأننا نُسجل ونُبلغ باستمرار عن كل ما يحدث”.

وفي الأشهر التي تلت نقاشهما حول قبول “روبيو” كمدافع جيد عن إسرائيل، تُشير التسريبات إلى أن “إليسون” و”بروسور” تبادلا رسائل بريد إلكتروني متقطعة؛ حيث اشتكى الأخير بشدة إلى “إليسون” من المعاملة غير العادلة التي قال إنها تُلاقيها إسرائيل في الأمم المتحدة. وفي يونيو/ حزيران من ذلك العام، أرسل “بروسور” رسالة إلى “إليسون” جاء فيها أنه “يركض بطفايات حريق هنا في الأمم المتحدة”، وأضاف أنه “حتى بمعايير الأمم المتحدة، فإن ما يحاولون فعله بإسرائيل أمرٌ شنيع!!”.
وفي نهاية فترة عمله في الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2015، تواصل “بروسور” مع “إليسون” وكتب إليه: “ألقيتُ خطابي الأخير في الجمعية العامة اليوم بشأن قضية العلم الفلسطيني. سيرفعون علمهم، كما ترفع الأمم المتحدة رايةً بيضاء، مستسلمةً لأهواء الفلسطينيين ونزواتهم”، واقترح أن يتواصلا مجددًا لمواصلة التعاون في سبل دعم إسرائيل. وكتب “بروسور”: “سأعود إلى إسرائيل، وأودّ التحدث معك حول بعض الأفكار التي قد تتوافق مع ما تحدثنا عنه في اجتماعنا الأخير بشأن رغبتك في زيادة انخراطك في إسرائيل”.

“الأسلحة تتغير بمرور الوقت”
لم يتردد “إليسون” يومًا في دعم إسرائيل بقوة؛ فإضافةً لدوره المتنامي كوسيط سياسي، قال بعد ارتفاع أسعار أسهم شركة أوراكل في حفل لجمع التبرعات عام 2014، حضره مليارديرات آخرون مؤيدون لإسرائيل: “لا شرف أعظم” من دعم الجيش الإسرائيلي. وفي عام 2017، قدّم “إليسون” هبةً بقيمة 16.6 مليون دولار لمنظمة “أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي”، في أكبر تبرعٍ لها على الإطلاق، ويُعرف أيضًا بقربه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان ضيفًا على جزيرة هاواي الخاصة التي يملكها.
وإضافةً لموقف “إليسون” الشخصي، يُظهر تقريرٌ نشرته منظمة “ريسبونسبل ستيتكرافت” حول مجموعةٍ منفصلة من رسائل البريد الإلكتروني المُسربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود باراك، أن مسؤولين كبارًا آخرين في شركة أوراكل يتفقون معه في هدفه المتمثل في التأثير على الرأي العام الأمريكي تجاه إسرائيل. ففي رسالةٍ عام 2015 إلى “باراك”، عرضت الرئيسة التنفيذية لشركة أوراكل، سافرا كاتز، جهودها الخاصة لتشكيل الرأي العام الأمريكي لصالح إسرائيل، وحثته على دعم برنامج واقعي عن “نساء جيش الدفاع الإسرائيلي” يهدف لتحسين صورة الجيش الإسرائيلي، ونادت بضرورة ترسيخ المشاعر المؤيدة لإسرائيل في الثقافة الأمريكية مُبكرًا لمواجهة صعود حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.
وقالت كاتز لباراك: “هذا يعني إيصال الرسالة إلى الشعب الأمريكي بطريقةٍ يُمكنه استيعابها”، مضيفةً: “نؤمن بضرورة ترسيخ حب إسرائيل واحترامها في الثقافة الأمريكية”. إلى جانب ابنه ديفيد، من المقرر أن ينمو دور إليسون كوسيط إعلامي قوي في السنوات القادمة، وقد يكون دوره في الاستحواذ على “تيك توك” بمليارات الدولارات أهم محاولة له لإعادة تشكيل بيئة الإعلام بعد السابع من أكتوبر. وكجزء من الاتفاقية، ستقوم أوراكل بمراجعة خوارزمية المحتوى بالغة الأهمية في “تيك توك”، والتي “سيتم إعادة تدريبها وتشغيلها في الولايات المتحدة خارج سيطرة بايت دانس” (مالكة “تيك توك”)، وفقًا للمتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت.
ومنذ بداية الحرب والإبادة الجماعية في قطاع غزة، ركز المسؤولون المؤيدون لإسرائيل في الولايات المتحدة على “تيك توك”، لكونه العامل الرئيسي وراء التراجع السريع في دعم إسرائيل بين الشباب الأمريكي. وقد ردد هذا الاعتقاد أيضًا مسؤولون إسرائيليون، إضافةً إلى نشطاء مؤثرين مؤيدين لإسرائيل مثل رئيس “رابطة مكافحة التشهير”، جوناثان جرينبلات، الذي أكد في جلسة استماع بالكنيست الإسرائيلي في وقت سابق من هذا العام على أهمية “الاستيلاء” على التطبيق.
من جهته، كان نتنياهو نفسه أكثر صراحةً بشأن أهمية سيطرة إسرائيل وأنصارها على المنصة، وهي الهدية التي يبدو أن إليسون مستعدٌّ الآن لمنحها له. فقد قال نتنياهو لمجموعة من المؤثرين المؤيدين لإسرائيل الذين اجتمعوا في القنصلية العامة الإسرائيلية في نيويورك في سبتمبر/ أيلول: “الأسلحة تتغير بمرور الوقت… وأهمها على وسائل التواصل الاجتماعي”، مُشيرًا إلى أن الاستحواذ على “تيك توك” كان “أهم عملية شراء جارية حاليًا”.


المصدر: موقع دروبسايت نيوز
Dropsitenews