علوم وتكنولجيا

بين الإبداع والاعتماد: أثر منصات التواصل على الشباب العربي

عبدالله الحبابي – مراسلين

يشكّل الشباب العربي اليوم قرابة ثلث سكان المنطقة – أي ما يقارب 110 ملايين شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا – ما يجعلهم فئة ديموغرافية مركزية في مسارات التنمية والتحوّل الرقمي في العالم العربي.
هذه الكتلة الشابة ليست مجرد رقم؛ بل هي قوة كامنة للتجديد الاقتصادي والاجتماعي، وحاضنة لممارسات رقمية قد تعيد تشكيل التعليم والعمل والحياة العامة.

حضور رقمي متزايد:
يتواجد الشباب العربي بكثافة على المنصات الرقمية، إذ تؤكد التقارير التحليلية أن نسب الاستخدام في بعض الدول العربية تفوق المتوسط العالمي.
ففي السعودية على سبيل المثال، سجّلت البلاد 34.1 مليون هوية مستخدم نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي مطلع عام 2025، وفقًا لتقرير DataReportal – Digital 2025.
وفي مصر والمغرب، تشير بيانات “إنستغرام” و”فيسبوك” إلى أن فئة الشباب هي الأكثر نشاطًا على هذه المنصات، ما يجعلها مصدرًا أساسيًا للأخبار والتواصل اليومي.

تنويه: كلمة “user identities” في التقرير تعني حسابات رقمية نشطة، وليس بالضرورة عدد الأفراد الفعليين، إذ قد يمتلك الشخص الواحد أكثر من حساب.

الآثار النفسية والصحية:
تشير الدراسات الإقليمية والعالمية إلى أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل يرتبط بارتفاع معدلات القلق واضطرابات النوم.
فقد أظهرت دراسة أُجريت في منطقة عسير على طلاب المرحلة الثانوية وجود علاقة بين كثرة استخدام المنصات وقلة جودة النوم، كما قدّمت أبحاث مؤتمر SLEEP 2024 دلائل على تغيّرات دماغية مرتبطة بالتحفيز واليقظة نتيجة الإفراط في استخدام الوسائط الاجتماعية.
ومع ذلك، تبقى هذه الدراسات ارتباطية أكثر من كونها سببية، أي أنها توضّح العلاقة لكنها لا تؤكّد أن المنصات هي السبب المباشر للمشكلات النفسية.

الفرص الاقتصادية والتحول المهني:
من الجانب الاقتصادي، فتح الفضاء الرقمي أبوابًا واسعة أمام الشباب العربي.
فمنصات العمل الحر والتجارة الإلكترونية تمكّن الآلاف من تحقيق دخل بديل أو تأسيس مشاريع ناشئة.
وتُظهر تقارير البنك الدولي أن مشاركة الشباب في “اقتصاد المنصات” تتزايد عامًا بعد عام، إلا أن هذا الواقع الجديد يرافقه تحديات تتعلق بحماية حقوق العاملين، وتنظيم العقود، وضمان الدخل المستدام.

التفاعل الاجتماعي والسياسي:
أحدثت المنصات الرقمية تحولات في طريقة تفاعل الشباب مع قضاياهم الاجتماعية والسياسية.
فقد وفّرت أدوات تعبير ومناصرة غير مسبوقة، وأطلقت حملات مجتمعية ناجحة، لكنها في الوقت نفسه أسهمت في تقليل التواصل الوجهي وزيادة العزلة لدى بعض الفئات.
كما رصدت مراكز بحثية عربية تزايد انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، نتيجة غياب التحقق من المصادر وضعف الرقابة الذاتية على النشر.

التحديات التنظيمية والتشريعية:
يواجه العاملون في الاقتصاد الرقمي تحديات تتعلق بغياب تشريعات واضحة تحمي حقوقهم.
وتوصي التقارير الدولية بضرورة سنّ قوانين جديدة تنظم العمل عبر المنصات الرقمية، وتكفل الحماية الاجتماعية، وحقوق الملكية الفكرية، إضافة إلى آليات واضحة للتقاضي وحماية المستهلك.

توصيات عملية:
1. تعزيز الثقافة الرقمية في المناهج التعليمية، لرفع الوعي بمخاطر الاستخدام المفرط وتمييز الأخبار الكاذبة.
2. سنّ تشريعات تحمي العاملين في المنصات الرقمية وتضمن حقوقهم.
3. إطلاق برامج وطنية للصحة النفسية الرقمية تستهدف فئة الشباب.
4. تحسين أدوات الأمان في المنصات لتقليل المحتوى المضلل وضبط الوقت الرقمي.
5. تمويل دراسات علمية عربية طويلة المدى لمتابعة آثار الاستخدام الرقمي على السلوك والصحة.

في الختام نعود إلى البداية: 110 ملايين شاب عربي يقفون اليوم في مفترق طرق بين التمكين الرقمي والانغماس المفرط.
المنصات التي تفتح آفاقًا لا حدود لها قد تتحول إلى عبء إن لم تُدار بوعي وسياسات رشيدة.
فالشباب يُمكّنهم الفضاء الرقمي، لكنه في الوقت نفسه يحتاج إلى شبابٍ واعٍ يُمكّنه من البقاء أداة للبناء لا للهروب.
إن إدراك هذه المعادلة هو مفتاح تحويل الحضور الرقمي إلى قوة تنمية تسهم في صناعة مستقبل عربي أكثر توازنًا وازدهارًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews