عربي و دولي

تشاد.. تعديل دستوري يفتح الطريق أمام رئاسة بلا حدود

ممدوح ساتي -مراسلين

في خطوة قلبت الموازين السياسية في انجامينا، صادق البرلمان التشادي ( بغرفتيه ) مطلع أكتوبر 2025 على تعديل دستوري مثير للجدل يمنح الرئيس محمد إدريس ديبي إتنو إمكانية البقاء في الحكم إلى أجل غير مسمّى، وسط انقسام حاد بين مؤيدين يرونه “استقرارًا ضروريًا”، ومعارضين يصفونه بأنه “تتويج رسمي للحكم الوراثي”.

من البرلمان إلى القصر: المسار الرسمي للتعديل

بدأت التحركات نحو التعديل في منتصف سبتمبر حين وافقت الجمعية الوطنية التشادية، في جلسة 15 سبتمبر، على مشروع تعديل دستوري وُصف بأنه “إجراء فني” لكنه حمل في طياته تغييرات جوهرية.

وفي 3 أكتوبر 2025 اجتمع الكونغرس التشادي (الغرفتان مجتمعتان) لإقرار النص النهائي، تحت عنوان «révision technique de la Constitution du 29 décembre 2023»
والذي يعني:
“المراجعة الفنية لدستور 29 ديسمبر 2023”.

بعد أيام قليلة، وتحديدًا في 8 أكتوبر 2025، وقَّع الرئيس المارشال محمد إدريس ديبي إتنو المرسوم الرئاسي الذي يُقرّ التعديل الدستوري، ليصبح نافذا رسميًا بعد نشره في الجريدة الرسمية للدولة.

النصوص المعدّلة: سبع سنوات وولاية بلا سقف

ما تأكد من المصادر الحكومية المحلية يشير إلى أنّ أبرز بنوده تتمثل في:

  • تمديد مدة الولاية الرئاسية من خمس إلى سبع سنوات.
  • إلغاء الحدّ الأقصى للولايات الرئاسية، بما يسمح بإعادة انتخاب الرئيس إلى عدد غير محدود من المرات.
  • السماح للرئيس بممارسة نشاط حزبي والانتماء السياسي العلني، في تغييرٍ لما كان يفرضه الدستور السابق من حياد رئاسي.
  • إعادة هيكلة السلطة التنفيذية بإضافة منصب نائب رئيس الوزراء، وتعديلات على صلاحيات الوزراء أمام القضاء في القضايا الاقتصادية والمالية.

وتشير بيانات الحكومة إلى أنّ التعديلات ستُطبّق بدءًا من الانتخابات المقبلة، ما يعني أنّ الفترة الحالية للرئيس لا تُحتسب ضمن الولايات الجديدة، وفق ما ألمحت إليه مصادر رسمية.

المعارضة التشادية: صوت الاحتجاج

المعارضة التشادية، من خلال بيانات رسمية ومنشورات على مواقعها ومنابرها الإعلامية، عبّرت عن رفضٍ قوي للتعديلات، وسعت إلى تسليط الضوء على ما تراه انتهاكًا للمبادئ الديمقراطية، وإلغاءً عمليًا للتناوب السياسي.

فيما يلي سرد لردود الفعل الأكثر وضوحًا:

حزب “Les Transformateurs” بقيادة Succès Masra: نشر بيانًا على موقعه الرسمي وصف فيه التعديل بأنه “انقلاب على الدستور” وخرقٌ للوعود التي قطعتها حكومة ديبي بأن الانتقال سيكون مؤقتًا ويُفضي إلى دولة مؤسسات، أكد البيان أن هذا التعديل يُغلق الباب أمام المنافسة السياسية، ويحوّل النظام إلى “شبه نظام أو استبداد مقنّن”.

منظمات المجتمع المدني التشادي (مثل Forum Tchadien pour les Droits Humains) نشرت بيانات تُحذّر من أن التعديلات تُشكِّل “انتكاسة خطيرة للحريات السياسية وحرية التعبير”، ودعت إلى مظاهرات سلمية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين تزايدت أعدادهم وأحكامهم في الفترة التي سبقت التعديل.

مواقع المعارضة الناطقة بالفرنسية والعربية نشرت مقالات تحليلية بعنوان “من يفرض دستورًا على مقاسه” و“متى ينتهي الانتقال ويبدأ الاستبداد؟”، حيث أكدت أن التعديلات لم تُناقش عامةً في استفتاء شعبي، وأنها جاءت عبر إجراءات برلمانية محصورة ومراقبة فقط من بعض المنظمات الحقوقية الدولية.

النشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي استخدموا الوسوم مثل #الدستوربدونحدود و#تشاد_للكل ، للمطالبة بإلغاء التعديلات أو إعادة النظر فيها، مؤكدين أن الأمل في التغيير مهدد بالانطفاء إذا ظلّت السلطة مركزة بهذا الشكل.

ردود الفعل الدولية: صمت حذر وقلق يخفيه اللسان الرسمي

ردود الفعل الدولية اتسمت بالحذر.
الاتحاد الأفريقي دعا إلى “احترام التزامات تشاد بمسار الانتقال السياسي”، فيما اكتفت باريس ( الحليف التقليدي لنجامينا ) ببيان مقتضب أكدت فيه “أهمية الاستقرار واحترام إرادة الشعب”.
أما الولايات المتحدة فعبّرت عبر وزارة خارجيتها عن “قلقها من أي خطوات تعيد إنتاج الحكم مدى الحياة في القارة”، لكنها لم تصدر حتى الآن عقوبات أو خطوات ملموسة.

جمهورية جديدة أم عودة إلى الماضي؟

هكذا تبدو تشاد وهي تدخل مرحلة “رئاسية بلا سقف”، في وقت تتقاطع فيه الحسابات الداخلية مع رهانات اجتماعية وسياسية.
بين من يرى في ديبي الابن امتدادًا لاستقرار أمني هش، ومن يعتبره استنساخًا لسلطة لم تغادر العائلة منذ أربعة عقود، يبقى السؤال مفتوحًا: هل كتب الدستور التشادي الجديد فصلاً جديدًا من التحول أم أعاد البلاد إلى نقطة الدوران الأولى؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews