لماذا انفجر الشارع الإيطالي في وجه جورجيا ميلوني؟

11 أكتوبر/تشرين الأول 2025 — بقلم: سيف الدين رحماني
مقدمة: لم يكن الانفجار الشعبي الذي اجتاح المدن الإيطالية ضد حكومة جورجيا ميلوني حدثاً عابراً، بل نتيجة تراكمات سياسية وأخلاقية منذ السابع من أكتوبر 2023، حين انحازت بوضوح إلى إسرائيل في حربها ضد غزة. راقب الإيطاليون بصبرٍ مواقف الحكومة، إلى أن تحوّل الغضب الكامن إلى احتجاجات وإضرابات عمّت البلاد.
الغضب الشعبي يعمّ المدن الإيطالية
شهدت ميلانو اشتباكات بمحطة القطارات المركزية، وأغلق المحتجون الطرق في بولونيا، فيما أُقفلت موانئ توسكانا وليفورنو بالكامل. أعلن عمال ميناء جينوفا إضراباً شاملاً رفضاً لشحن المعدات العسكرية إلى إسرائيل. في نابولي اعتصم المتظاهرون على قضبان السكك الحديدية، بينما قطع آلاف الطلبة الطرق أمام وزارة التعليم في روما. وامتدت المسيرات إلى الجنوب في بوليا (باري، ليتشي، تارانتو)، حيث ارتفعت الهتافات: «أوقفوا الإبادة في غزة».
محاولة شيطنة المظاهرات
تسلّل مندسون من أوساط اليمين المتطرف واللوبي المؤيد لإسرائيل إلى صفوف المحتجين، حاملين رموزاً فلسطينية لإحداث أعمال تخريب وتشويه صورة الحراك السلمي. وسارعت صحف يمينية مثل Il Tempo وIl Giornale وIl Mondo إلى عناوين من نوع: «فوضى في ميلانو بسبب غزة»، «روما في خندق الأصولية»، و«معاداة السامية».
انتقادات النخبة: أورسيني وكونتي
«هذا ما تستحقه جورجيا ميلوني. آمل أن يثور الشعب ضدها بأدوات ديمقراطية سلمية.» — أليساندرو أورسيني
تساءل أورسيني عن رفض الحكومة التصويت مرتين (28 أكتوبر و12 ديسمبر 2023) على وقف إطلاق النار الإنساني في غزة. من جهته، دعا رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حركة خمس نجوم جوزيبي كونتي إلى الاعتراف بدولة فلسطين وفرض حظر شامل على تصدير السلاح لإسرائيل، مذكّراً بقراره عام 2021 تعليق صادرات السلاح للإمارات والسعودية بسبب حرب اليمن.
المطالب الثلاثة للحراك
- الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين.
- وقف الإمدادات العسكرية واللوجستية لإسرائيل.
- فرض عقوبات اقتصادية على تل أبيب.
تبعية سياسية وعسكرية مثيرة للجدل
تُتهم الحكومة بمواءمة سياساتها الخارجية مع واشنطن وتل أبيب، من رفض قرارات وقف إطلاق النار إلى الوقوف ضد المحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن صادرات عسكرية ودعم مالي أثار غضب الرأي العام. يعتبر المحتجون أن هذه الخيارات تُحمّل دافعي الضرائب الإيطاليين مسؤولية أخلاقية وسياسية تجاه ما يحدث في غزة.
دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية
قدّم محامون إيطاليون شكوى ضد رئيسة الحكومة وعدد من المسؤولين التنفيذيين، بينهم وزراء ومدير Leonardo S.p.A، بتهمة «التواطؤ السياسي والعسكري» في جرائم ترتكب في غزة. وُصفت الخطوة بأنها «مرآة» تضع إيطاليا—بلد اتفاقية روما—أمام اختبار أخلاقي وقانوني صعب.
إيطاليا التي تباهت طويلاً بإرث حقوق الإنسان، تواجه اليوم أزمة ضمير. موجة الاحتجاجات ليست نزوة ظرفية، بل إعلان قيمي بأن القتل لا ينبغي أن يُرتكب باسم الشعب أو بأمواله. خسرت الحكومة جزءاً معتبراً من رصيدها الشعبي، وقد تكون هذه الجولة بداية مراجعة أوروبية أوسع لبوصلتها الأخلاقية تجاه فلسطين.
إعداد: — كاتب صحفي وأكاديمي
#إيطاليا#جورجيا_ميلوني#غزة#فلسطين#حقوق_الإنسان