اقتصاد

إفريقيا الرقمية تنهض: كوميسا تطلق منصة مدفوعات تعيد رسم خريطة التجارة

ممدوح ساتي -مراسلين

تحوّل رقمي إفريقي يضع الدولار أمام منافس جديد… ويمنح الأسواق العربية طريقاً جديداً نحو النمو

في خطوة تُعد تحولاً نوعياً في بنية الاقتصاد الإفريقي، أطلق التكتل الاقتصادي لشرق وجنوب إفريقيا (COMESA) أول منصة رقمية للمدفوعات العابرة للحدود، تُتيح للدول الأعضاء تسوية معاملاتها التجارية بالعملات المحلية، دون المرور عبر الدولار الأمريكي أو الأنظمة المالية الغربية التقليدية.

ويُنتظر أن تُحدث المنصة، التي دخلت مرحلة التشغيل التجريبي في مالاوي وزامبيا، تحولاً جذرياً في آلية التجارة البينية الإفريقية، بخفض كلفة التحويلات إلى أقل من 3%، ودعم حركة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل التجارة غير الرسمية التي تمثل أكثر من 60% من النشاط التجاري في القارة.

ويضم تجمع الكوميسا حالياً 21 دولة إفريقية، من بينها مصر، السودان، كينيا، إثيوبيا، زامبيا، وزيمبابوي، ويُعد أحد أكبر الأسواق التكاملية في العالم النامي، بسكان يتجاوز عددهم 600 مليون نسمة.

وتتنوع موارد دوله بين الذهب والنحاس والليثيوم واليورانيوم والنفط، إلى جانب مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة التي تنتج البن والقطن والكاكاو والذرة وغيرها من المحاصيل ، مما يجعل من الكوميسا محوراً صاعداً في معادلة الاقتصاد العالمي.

ويأتي المشروع ضمن مبادرة رقمية كبرى تحمل اسم آيديا IDEA، بدعم من البنك الدولي والاتحاد الإفريقي، وتهدف لتوصيل الإنترنت والخدمات المالية إلى أكثر من 180 مليون شخص خلال السنوات المقبلة، بما يعزز التحول الرقمي ويرسخ مفهوم السيادة الاقتصادية داخل القارة.

ومع تزايد توجه إفريقيا نحو فك الارتباط عن قنوات التسوية الغربية، يرى خبراء الاقتصاد أن المنصة الجديدة تُشكّل بوابة استراتيجية أمام رأس المال العربي والإسلامي للدخول بقوة إلى الأسواق الإفريقية الواعدة، عبر بيئة مالية أكثر أماناً ومرونة. فالفرص الاستثمارية تتوزع بين الزراعة الحديثة، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والاتصالات، والصناعات التحويلية، وهي قطاعات قادرة على تحقيق عوائد مرتفعة في ظل انفتاح الأسواق وتنامي الطلب الداخلي.

ويؤكد محللون أن هذا الانفتاح الاقتصادي يمنح المستثمر العربي فرصة نادرة للعودة إلى عمقه الإفريقي التاريخي، بعد سنوات من انشغال رؤوس الأموال العربية في أسواق مكتظة بالمنافسة والتقلبات. فإفريقيا اليوم ليست “قارة الفقر” كما وُصفت قديماً، بل فضاء خصب للنمو، ومختبر مفتوح لمستقبل الاقتصاد الأخضر والرقمي معاً.

إن تزاوج رأس المال العربي مع الموارد الإفريقية يمكن أن يشكّل بداية نهضة اقتصادية مزدوجة، يتكامل فيها التمويل مع الإنتاج، والخبرة مع الموارد.

ومع تقدم مبادرات مثل منصة المدفوعات الجديدة، تقترب القارة من صياغة واقع اقتصادي لا يعتمد على المراكز المالية في الشمال، بل ينبع من داخلها ويصب في مصلحتها.

ليست إفريقيا وحدها من تستيقظ، بل يبدو أن الجنوب بأكمله بدأ يعيد تعريف موقعه من العالم. وبينما يتهيأ المارد الإفريقي للنهوض الرقمي، تمتد يده نحو الشمال العربي كمن يذكّر بجذور التاريخ ووحدة المصير.

وفي ضوء هذا التحول، قد لا يكون السؤال: هل تستثمر رؤوس الأموال العربية في إفريقيا؟
بل: هل يمكنها أن تتأخر عن الركب وهي ترى المستقبل يُبنى من جديد على أرضٍ تعرفها منذ القدم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews