من رماد الحرب تُولد سوريا من جديد

بقلم : وليد شهاب
بعد سنوات الظلام والدمار، ها هي سوريا تشرق اليوم بشمس جديدة، تلفظ أنفاسها الأخيرة تحت ركام الماضي لتبدأ رحلة ولادة جديدة. لم تكن العودة مجرد رحلة عابرة للحدود، بل كانت رحلة عبر الزمن من عالم المخيمات المليء بالصقيع والحرقاء إلى دفء الديار. عادت الأسر محملة بذكريات مريرة عن سنوات التشرد، لكنها حملت معها أيضاً إرادة لا تقهر لإعادة بناء ما دمرته الحرب.
في كل قرية ومدينة، أصبح مشهد اللقاءات المفعمة بالدموع والابتسامات جزءاً من نسيج الحياة اليومية، حيث تتهاوى جدران الغربة لتحل محلها أواصر القربى والجيرة التي ظلت صامدة رغم كل محاولات التفكيك. ها هم اليوم يجتمعون من جديد، يحكون حكايات الغياب ويخططون لغد أفضل.
تواجه الحكومة الجديدة مهمة هائلة، أشبه بمعجزة، تتمثل في إعادة بناء دولة كادت أن تتحول إلى ركام. لكن الإرادة الوطنية، المقترنة بدعم عربي ودولي ، بدأت تحول المستحيل إلى ممكن. لم يعد الهم مجرد إزالة الأنقاض ورفع الحطام، بل تأسيس دولة عصرية تقوم على أسس متينة من العدالة والحرية والكرامة الإنسانية.
يركز المشروع الوطني على بناء الإنسان السوري من جديد، عبر برامج إعادة تأهيل نفسي واجتماعي شاملة، تهدف إلى معالجة الصدمات العميقة التي خلفتها سنوات الحرب. كما تسعى الحكومة إلى إعادة دمج كل أطياف المجتمع في نسيج الوطن، مؤكدة أن سوريا الجديدة تتسع للجميع تحت مظلة المواطنة المتساوية.
تشهد البلاد حركة بناء غير مسبوقة، لا تقتصر على إعادة تشييد البنى التحتية من طرقات ومستشفيات ومدارس فحسب، بل تمتد لتشمل إنشاء مدن صناعية جديدة تعتمد على أحدث التقنيات. لقد بدأت بوادر الانتعاش الاقتصادي تظهر بالفعل، مع عودة آلاف الشركات والمصانع للإنتاج، واستقطاب الاستثمارات الخارجية التي تراهن على مستقبل هذا البلد الذي يجلس على بوابة ثلاث قارات.
لا تقل النهضة الثقافية أهمية عن البناء المادي، فالحكومة تولي اهتماماً كبيراً لإحياء الدور الحضاري لسوريا، من خلال إطلاق مشاريع ثقافية كبرى، تبدأ بإصلاح المنظومة التعليمية من الجذور، وتطوير المناهج لتركز على قيم التسامح والتفكير النقدي والابتكار. كما يتم ترميم وتأهيل جميع المواقع الأثرية التي تضررت، باعتبارها شواهد على عراقة هذه الأرض.
ازدهر المشهد الإعلامي بشكل لافت، حيث تنوعت وسائل الإعلام المستقلة التي تعكس تعددية المجتمع السوري وتناقش همومه وآماله بحرية ومسؤولية، بعيداً عن لغة التطبيل والتزييف التي مارستها وسائل الإعلام التابعة للنظام السابق.
بالطبع، الطريق لا يزال طويلاً وشاقاً، فجروح سنوات التهجير لا تلتئم بين ليلة وضحاها، وآثار الدمار لا تزول بمجرد رفع الأنقاض. هناك تحديات جمة تتمثل في إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن، واستكمال عملية إزالة آثار الحرب، ومواجهة المحاولات اليائسة لعرقلة مسيرة البناء.
بقلم :وليد شهاب
لكن الروح التي يسير بها السوريون اليوم، روح الوحدة والعزيمة، تجعلهم قادرين على تجاوز كل هذه التحديات. لقد اختاروا الحياة بعد أن لامسوا الموت، واختاروا الأمل بعد أن عاشوا في قاع اليأس. سوريا التي نراها اليوم ليست مجرد دولة تخرج من تحت الرماد، بل هي نموذج لإرادة إنسانية هزمت كل منطق القوة والدمار. إنها قصة شعب رفض أن يكون رقماً في معادلات القوى الدولية، فقرر أن يكتب تاريخه بيديه. المستقبل يبدأ من هنا، من أرض الشام، حيث تشرق الشمس على وطن يعود إلى مكانته الحضارية، ليس كمجرد مكان على الخريطة، بل كفكرة للحرية والكرامة تتجاوز الحدود