الدراما السورية… حين تحوّل الفن إلى بوق للسلطة وتزييفٍ للوعي

بقلم: أنس الشيخ احمد
لم تكن الدراما السورية يومًا مرآةً صادقة لحياة المواطن السوري، بل تحوّلت منذ عقود إلى وسيلة ترويجٍ لرواية السلطة وتجميلٍ لصورتها أمام الرأي العام. فبينما كان الشعب السوري يواجه القصف والاعتقال والتهجير، كانت الشاشات السورية تكتفي بعرض قصص مترفة لا تمتّ إلى واقع الناس بصلة، وتُظهر المجتمع السوري كأنه غارق في التفكك والانحلال الأخلاقي، متناسية قيمه الحقيقية المتمثلة في الصمود والكرامة.
تركّزت معظم الأعمال على حياة أصحاب النفوذ والمال، فيما غابت صورة العامل والفلاح والنازح والمقهور. أما المسلسلات التاريخية والشامية، فقد غُرست في زمن البطولة الزائفة، تقدم البطل الخارج من الحارة الذي يقهر المحتل، بينما يغيب في الواقع الحديث أي بطل حقيقي يواجه الاستبداد. هكذا صيغت الدراما لتخدير الوعي، لا لتحفيزه.
ولم تتوقف عند حدود التضليل، بل أصبحت شريكةً صريحة في آلة القمع. كثير من الفنانين السوريين وقفوا علنًا إلى جانب النظام، وتغنّوا بقصف المدن و”انتصارات” الجيش الزائفة ضد شعبٍ أعزل. تسابقوا على تبرير التهجير القسري عبر “الباصات الخضراء”، وفتحوا منابرهم لترديد خطابٍ طائفيٍّ بغيض يبرّر الجريمة ويطمس الحقيقة.
في المقابل، لم تسلم حتى منظمة “الخوذ البيضاء” الإنسانية من حملات التشويه التي قادها إعلام النظام ومن سار في ركبه من الفنانين، رغم أن متطوعيها حملوا الأرواح بين أيديهم لإنقاذ الأطفال والنساء من تحت الأنقاض. تلك الحملات لم تكن سوى دليلٍ على فقدان الفن لجوهره الإنساني حين يتحول إلى أداةٍ في يد الجلاد.
الشعب السوري، هذا الشعب العظيم، لا يمكن لأي دراما أن تختزل مأساته الممتدة منذ أربعة عشر عامًا. ملايين القصص عن المعتقلين والمفقودين والنازحين وسكان المخيمات، وعن أمهاتٍ ينتظرن أبناءهن منذ سنين، تشكل لوحات من الألم والبطولة لا يمكن لكاميراٍ خاضعة أن تصوّرها.
لقد آن الأوان لدراما سورية جديدة، حرّة ونزيهة، تنطلق من وجع الناس وتروي حكايتهم كما هي، بلا تزويق ولا خوف، دراما تعيد للفن رسالته وللشعب صوته، وللإنسان مكانته فوق كل سلطةٍ وزيف.
فبين الشاشات الصغيرة آلافٌ من القصص لا تستطيع الدراما نقلها، والحقيقةُ من رأى وعاش الموقف ليس كمن سمع.