إيران وروسيا وسوريا: استراتيجية التوازن بعد الأسد

بقلم : علي زم – مراسلين
لا يمكن وصف زيارة ألكسندر لافرنتييف مبعوث الرئيس الروسي الخاص في سوريا إلى طهران ولقاؤه مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، على أنه مجرد لقاء بروتوكولي، بل انعكاسٌ واضح لاستراتيجية موسكو في إدارة علاقاتها الإقليمية بعد مرحلة بشار الأسد، ولإبراز الدور المتوازن الذي تسعى روسيا لأدائه بين طهران ودمشق. هذا اللقاء، الذي جرى يوم الاثنين 20 أكتوبر، يوضح أن السياسة الروسية تجاه إيران وسوريا ليست جامدة، بل ديناميكية وتسعى لتأمين مصالح موسكو الإقليمية، مع الحفاظ على استقرار المعادلات في غرب آسيا.
الرسالة الأولى التي يبعثها هذا اللقاء تكمن في تأكيد موسكو وطهران على استمرار التنسيق في القضايا الأمنية والاستراتيجية. فإيران، التي تسعى دومًا لتعزيز موقعها الإقليمي، تجد في روسيا شريكًا قادرًا على خلق مساحة للتنسيق بعيدًا عن التصعيد، خصوصًا في ملفات سوريا وأزمات المنطقة. ووفق ما أشار إليه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، فإن هذه المشاورات ليست معزولة عن باقي الملفات الثنائية، بما في ذلك القضايا النووية وغيرها من الملفات الاستراتيجية.
في الوقت نفسه، تُظهر هذه التحركات الروسية الحرص على صياغة توازن دبلوماسي دقيق بين إيران وسوريا، في ظل الانتقال إلى مرحلة ما بعد بشار الأسد. زيارة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع إلى موسكو، والتي سبقت لقاء لافرنتييف بطهران، تؤكد أن روسيا تعمل على بناء شبكة علاقات متوازنة تضمن ألا يكون لإيران أو دمشق السيطرة المطلقة على القرار، وأيضاً للحفاظ على استقرار سوريا واستمرار التنسيق الأمني مع طهران.
إيرانياً، تحمل زيارة لافرنتييف أكثر من دلالة رمزية؛ فهي تؤكد أن طهران وروسيا تتفقان على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة وتنسيق السياسات الأمنية والاستراتيجية، بما يعزز من قدرة إيران على إدارة علاقاتها الإقليمية بحكمة. كما يشير اللقاء إلى رغبة موسكو في استثمار الأزمة السورية وضغوط بعض الأطراف الإقليمية، مثل إسرائيل، لبناء شبكة علاقات متوازنة تحمي مصالحها ومصالح حلفائها، دون أن تتدخل روسيا مباشرة في الملفات النووية أو السياسات الدولية لطهران.
الأهم من ذلك أن هذا النهج يعكس رؤية موسكو لدور «الوسيط المتوازن» في المنطقة، وهو دور يحتاج إلى حكمة ودقة في إدارة العلاقات بين الدول الفاعلة، بحيث يضمن ألا ينحرف التوازن الإقليمي لصالح طرف واحد. هذا التوجه الروسي، إذا تم تنفيذه بفعالية، يمكن أن يكون عامل استقرار مهمًا في غرب آسيا، ويساعد على ضبط التوترات ومنع التصعيد في ملفات حساسة مثل سوريا وإيران، ومحيطهما الإقليمي.
ختاماً، يمكن القول إن لقاء لافرنتييف بطهران ليس حدثًا عابرًا، بل خطوة استراتيجية ضمن سياسة موسكو الرامية إلى تعميق العلاقات الاستراتيجية مع إيران، إلى جانب الحفاظ على مرونة كافية لإدارة علاقاتها بسوريا والدول الإقليمية الأخرى. يرى المحللون في السياسة الإقليمية، أن هذا النهج المتوازن يعكس رؤية روسية واضحة لمستقبل المنطقة، حيث تتحرك موسكو كفاعل مسؤول يسعى لضمان مصالحه، وفي الوقت ذاته يحافظ على استقرار الميدان الإقليمي، بعيدًا عن الانحياز المطلق لأي طرف.



