أخبارتقارير و تحقيقات

حصار الفاشر: نهاية معركة واستمرار المأساة


مصعب محمد- خاص مراسلين


السودان – تمكنت قوات الدعم السريع من اقتحام مدينة الفاشر صباح يوم الأحد، إثر إنسحاب قوات الجيش السوداني والقوات المتحالفة معها من مقارّات الفرقة السادسة مشاة، وذلك بعد حصارٍ مستمرٍّ فرضته قوات الدعم السريع على المدينة منذ مايو/أيار 2024، منع دخول المواد الغذائية والمستلزمات الطبية.
وجاء ذلك بعد أكثر من 260 هجومًا صدّتها قوات الجيش السوداني والقوات المتحالفة معها داخل المدينة، في ظلّ الحرب الدائرة في البلاد منذ منتصف أبريل/نيسان 2023.

شهدت المدينة خلال تلك الفترة عمليات عسكرية متواصلة، وقصفًا مدفعيًا متبادلاً بين الطرفين بالمدافع والطيران المسيّر، استهدف أحياء المدينة ومراكز الإيواء ومعسكرات النازحين والمستشفيات داخل المدينة، ما أسفر عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا منذ بداية الحصار، إلى جانب أعداد كبيرة من الوفيات في صفوف النساء والأطفال.

يقول المدير القُطري لمنظمة إنقاذ الطفولة في السودان، عبد اللطيف محمد: “تأثرت المدارس والمرافق الصحية ومواقع النزوح في الفاشر بشكل متكرر في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى تفاقم الوضع الحرج بالفعل. كما تواجه المجتمعات المحلية في أجزاء من شمال دارفور ظروفًا شبيهة بالمجاعة، مع انتشار الجوع وارتفاع مستويات سوء التغذية لدى الأطفال بسبب الحصار المطوّل وتقييد وصول المساعدات الإنسانية”.

أهمية المدينة:

تُعدّ مدينة الفاشر من أهم المدن في إقليم دارفور غربي السودان. تبلغ مساحة ولاية شمال دارفور (عاصمتها الفاشر) نحو 296 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 12% من مساحة السودان تقريبًا، وتمثّل أكثر من نصف مساحة إقليم دارفور.
كانت الفاشر المعقل الوحيد المتبقي للجيش السوداني وحلفائه في الإقليم، مما جعلها ملاذًا لعشرات الآلاف من النازحين بعد سقوط بقية مدن دارفور في يد قوات الدعم السريع.
ويقول محللون استراتيجيون إن “الفاشر تقع جغرافيًا في ملتقى طرق ثلاث دول مجاورة للسودان، وهي: تشاد عبر معبر الطينة، وليبيا من خلال جبل عوينات، بالإضافة إلى مصر عبر الطريق التاريخية لدرب الأربعين”.

الوضع الصحي والإنساني أثناء الحصار:

أدّى الحصار الذي فرضته قوات الدعم السريع على المدينة إلى كارثة إنسانية نتيجة انقطاع خطوط الإمداد، إذ لم تتمكن وكالات الإغاثة من إيصال الغذاء والدواء إلى المدينة والأحياء المحيطة بها.
تسبّب ذلك في ارتفاع أسعار السلع الأساسية وانعدام شبه تام للمواد الغذائية لاحقًا. كما أدّى تعرّض السوق المركزي —الذي كان يعمل جزئيًا للقصف — و تقطّع السبل بالمواطنين، مما دفع بعضهم إلى أكل جلود الأبقار اليابسة والعلف الحيواني للبقاء على قيد الحياة.
ذكرت مفوضية العون الإنساني في تقرير لها أن إجمالي عدد القتلى جرّاء القتال والحصار وصل إلى 675 شخصًا، مع إصابة 1,464 آخرين بحلول أكتوبر 2024

أبرز الهجمات على المدينة:

تعرّضت الفاشر طَوال فترة الحصار لهجمات متكررة خلّفت مئات الضحايا، واستهدفت أحياءً سكنية ومستشفيات ومراكز إيواء داخل المدينة.
في أكتوبر 2024، قُتل نحو 65 مدنيًا جراء قصف جوي استهدف سوق المدينة وأحياء مكتظة بالنازحين. كما تعرّض مخيم زمزم للنازحين لقصف متكرر أسفر عن عشرات القتلى، معظمهم من النساء والأطفال.
وفي سبتمبر الماضي، استهدفت طائرة مسيّرة مسجدًا أثناء الصلاة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 70 شخصًا، بالإضافة إلى هجمات أخرى بطائرات مسيّرة على مركز إيواء، تسببت بمقتل أكثر من 50 شخصًا، وفقًا لمصادر طبية محلية.

سقوط الفاشر والانتهاكات اللاحقة:

مع سقوط مقارّ الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني في يد قوات الدعم السريع صباح أمس الأحد، عقب انسحاب قوات الجيش والقوات المتحالفة معها ،نحو الجهة الشمالية الغربية من المدينة، بدأت بعدها المدينة تعيش ساعات من الفوضى والرعب.
فقد تعرّضت المستشفيات والمرافق العامة لعمليات نهب مكثّفة، وأفاد شهود عيان وتقارير ميدانية بوقوع عمليات قتل استهدفت مدنيين عزّل على أساس إثني، في ما وصفته منظمات حقوقية بأنه جريمة تطهير عرقي.

تشير تقارير فرق ميدانية إلى أن أعداد الضحايا تفوق العشرات، وسط صعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة بسبب الانفلات الأمني الكامل الذي تسببت به قوات الدعم السريع، حسب ما أفادت شبكة أطباء السودان.
مع انهيار دفاعات الجيش والقوات المتحالفة معه تحت كثافة النيران، اضطر جزء من المواطنين إلى الفرار نحو منطقة طويلة الأكثر أمانًا نسبيًا، سالكين طريق طويلة المسير لا تقل خطورة عن البقاء داخل المدينة، ويعاني الكثير من النازحين من مدينة الفاشر إصابات خطيرة وأمراض مزمنة لم يتلقوا على اثرها رعاية صحية لظروف الحصار .فيما بقي آخرون داخل المدينة، حيث نفّذت قوات الدعم السريع —وفق شهادات متطابقة— عمليات اعتقال وإعدامات ميدانية واسعة لعدد كبير من المدنيين.
بعد أكثر من عام من الصمود تحت الحصار في وجه الجوع والقصف والعزلة، انتهت الفاشر مثقلةً بالجراح. كانت يومًا عنوانًا للمقاومة، ثم أصبحت مرآةً لمأساة وطنٍ تتآكله الحرب والمأساة الصامتة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews