مقالات

المأساة العربية… الشعوب الخاسرة دائمًا


بقلم : عبدالله حسن زيد – صحفي سوري كاتب وباحث في العلاقات الدولية والدبلوماسية

في عالم يتسارع فيه الزمن، وتتغير فيه الخرائط السياسية بسرعة مذهلة، تبقى المأساة العربية ثابتة كالصخرة في وجه العواصف. منذ عقود، وشعوب المنطقة العربية تدفع ثمن الصراعات الداخلية والخارجية، بينما يبقى الخاسر الحقيقي هو الإنسان العربي البسيط، الذي يعاني الجوع والفقر والنزوح. ليس الخاسرون هم القوى الخارجية أو الزعماء المتنفذين، بل الشعوب التي تُترك وحدها تواجه الدمار ، حيث يتكرر السيناريو نفسه، دمار شامل، وشعوب تئنُ تحت وطأة الجوع والفقر.

مأساة الفاشر: سقوط المدينة في فم الجحيم

في شمال دارفور بالسودان، شهدت مدينة الفاشر سقوطًا كارثيًا في أكتوبر 2025، حيث سيطرت قوات الدعم السريع على المدينة بعد حصار دام شهورًا. هذا السقوط لم يكن مجرد تغيير في السيطرة العسكرية، بل تحول إلى مذبحة جماعية، حيث قُتل آلاف المدنيين العزل. وفقًا لتقارير، قتلت قوات الدعم السريع ما لا يقل عن 1500 شخص في أيام قليلة، مع ارتكاب جرائم تصنف كإبادة جماعية.
كما دمرت المستشفيات ، وقامت بإعدام الكثير من المرضى وتصفيتهم، مما أدى إلى كارثة إنسانية جديدة تسجل بحق شعوب المناطق العربية راح ضحيتها المدنيون العزل والأبرياء من الأطفال والنساء.
وإذا سألنا أنفسنا من الخاسر هنا؟ ليس القوى الإقليمية التي تدعم الطرفين، ولا الزعماء الذين يتقاسمون السلطة من بعيد. الخاسرون هم أهالي الفاشر، الذين يعانون الجوع الشديد والنزوح الجماعي. الغالبية العظمى التي نزحت تحت وطأة الخوف والجوع هرباً من المجهول وفقًا للأمم المتحدة، بينما يواجه الملايين خطر المجاعة في دارفور
الشعوب العربية في السودان تدفع ثمن صراع داخلي تغذيه تدخلات خارجية، وتبقى هي الوحيدة التي تعاني الفقر والدمار، بينما يستمر العالم في الصمت أو الإدانات الفارغة

مرورًا بغزة: الجرح النازف الذي لا يندمل

من السودان إلى فلسطين، حيث تستمر مأساة غزة كرمز للمعاناة العربية المزمنة. منذ أكتوبر 2023، قتلت الحرب الإسرائيلية في غزة أكثر من 68,500 فلسطيني، مع إصابة أكثر من 170,000 آخرين، وفقًا لوزارة الصحة في غزة
في أكتوبر 2025، دخلت هدنة هشة حيز التنفيذ، لكنها شهدت انتهاكات مستمرة، بما في ذلك إفراج حماس عن جثث إسرائيليين، وهجمات إسرائيلية مستمرة
أكثر من 20,000 طفل فلسطيني قتلوا منذ بداية الحرب، وفقًا للإحصاءات الرسمية

الخاسر هنا ليس الدول الكبرى التي تتفاوض على الهدن، ولا الجماعات المسلحة التي تحافظ على وجودها. الخاسرون هم أهل غزة، الذين يعيشون في فقر مدقع، مع نقص حاد في الغذاء والماء النظيف. منظمة أوكسفام أشارت إلى أن الهدنة سمحت ببعض التحسينات، لكن النزوح والجوع لا يزالان يهددان ملايين الفلسطينيين.
الشعوب العربية في فلسطين تدفع ثمن صراع تاريخي، بينما يستمر العالم في تقديم المساعدات الجزئية دون حل جذري، تاركًا الجوع…والفقر يفتكان بالأبرياء
عطفًا على سوريا الانتقال الدامي نحو المجهول

أما في سوريا، فقد انتهت الحرب الأهلية رسميًا بسقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، لكن المأساة لم تنتهِ.
في سوريا2025، شهدت البلاد انتقالًا صعبًا، مع وضع أمني خطير يهدد بمستقبل مجهول، بين ديسمبر 2024 وأكتوبر 2025، وفقًا للأمم المتحدة شهدت البلاد انفلات بالوضع الأمني يهدد المدنيين في جميع المناطق .
وقف إطلاق نار هش بين القوات السورية والمقاتلين الكرد في أكتوبر، بعد مقتل العديد من الأشخاص.
كما عاد أكثر من مليون سوري من الخارج، لكنهم يواجهون واقعًا من الدمار والانتقامات الطائفية

من الخاسر؟ ليس الدول الإقليمية مثل تركيا أو السعودية أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة التي تتدخل في الشؤون السورية، ولا الجماعات المسلحة التي تعيد ترتيب تحالفاتها. الخاسرون هم السوريون العاديون، الذين يعانون الفقر المدقع والجوع، مع نقص في التمويل الإنساني .
الشعوب العربية في سوريا تدفع ثمن عقود من الاستبداد والحرب، بينما يبقى العالم يراقب من بعيد، ويرسل بعض الرحلات الإنسانية دون إعادة بناء حقيقية.
في الختام، المأساة العربية ليست مصادفة، بل نمط متكرر، الشعوب تخسر دائمًا، تعاني الجوع والفقر، بينما الخارج يربح أو يحافظ على مصالحه. من الفاشر إلى غزة إلى سوريا، يجب أن تكون هذه المآسي درسًا لنا جميعًا، لنطالب بتغيير يضع الإنسان في المقدمة، لا السلطة أو الصراعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews