تقارير و تحقيقات

السودان قصة مليشيا الدعم السريع: كيف تغذي الإمارات الفوضى؟!

ممدوح ساتي -مراسلين

في السودان، لم تعد الفوضى العسكرية مجرد نتيجة صراع محلي أو أزمة سياسية، بل صارت صناعة دقيقة تمولها وتوجّهها أطراف خارجية.

مليشيا الدعم السريع، التي تحوّلت من مجموعات قبلية مسلّحة إلى مؤسسة شبه رسمية، تمارس اليوم الإجرام في المدن السودانية: القتل، التعذيب، النهب، والتهجير القسري للسكان، بينما تمولها وتوجهها شبكة مصالح إماراتية تسعى إلى السيطرة على الذهب وموارد الاستقرار الوطني.

ما يحدث في الفاشر وغيرها من المدن ليس مجرد صراع داخلي، بل تجربة دامغة في كيفية تحوّل دولة إلى ساحة لمشاريع إقليمية تستثمر الضعف الداخلي لتحقيق أهداف خارجية، على حساب المدنيين الأبرياء والدولة ذاتها.

ولادة «الجنجويد» وسياسة تسليح القبائل

لم تبدأ ظاهرة الجنجويد كتمردٍ عفوي؛ كانت ثمرةَ حساباتٍ سياسية وأمنية رأت في تسليح بعض الفئات القبلية وسيلةً لرسم واقعٍ محكومٍ بميول محلية أكثر من ولاءات وطنية.
التسليح الانتقائي كان — في جوهره — قراراً سياسياً: تقوية قنوات ولاء على حساب بناء مؤسسات دفاعٍ مدنيّة ووطنية.
وهنا ولدت أولى بذور الكارثة : أدوات عسكرية وأمنية موازية لمؤسسات الدولة القائمة، تتبع للحزب الحاكم، في محاولة لضمان الاستمرار في السيطرة على الحكم على حساب الدولة الوطنية ومؤسساتها، قوات الدعم السريع كقوة موازية للجيش ومنافسه لها مثالا.

تحويل المليشيا إلى مؤسسة: الطريق إلى «قوات الدعم السريع»

ما كان تكتيكًا صار مؤسَّسةً.
إعادة الهيكلة، التمويل، الاستقلالية القيادية، وفتحه أبواب سوقٍ اقتصادية — خصوصاً عبر تجارة الذهب — حولت مجموعات قبلية إلى جهازٍ شبه رسمي قادر على تعبئة الموارد، وإدارة شبكات الدعم، والتحرك سياسياً وعسكرياً باستقلالية. هذه المؤسسة الموازية لا تعبّر فقط عن قوة عسكرية؛ بل عن منظومة حكمٍ اقتصادية وسياسية لها أثرها على البنية الوطنية.

الثورة المهدية: من حركة تحرّر إلى تجربة حكمٍ مركزية

العودة إلى فترة الثورة المهدية ضرورية لقراءة درسٍ أساسي: كيف يمكن للحركات التي تنطلق من منطق مقاومة الاحتلال أن تتحوّل بعد زوال العدو إلى نظام حكمٍ مركزي يختزل تمثيل الناس في قنواتٍ ضيقة؟ تجربة المهدي وخليفته تُظهِر أن غياب آليات مؤسساتية وافتقار الضوابط يؤديان إلى نسخ نمطٍ سلطوي، وأن التحوّل من ثورةٍ إلى دولةٍ لا يضمن بالضرورة انتقالاً ديمقراطياً.

تكرار الخطأ: الدولة الموازية والقبيلة

المعادلة قاتمة وبسيطة: تسليح قبائل ، غياب محاسبة ، تشييد مؤسسات موازية ، استغلال موارد (كالذهب) ، ينتج عنه حتميا تفكك تدريجي للدولة.

الإمارات: الراعي العربي لمشاريع الصهيونية في المنطقة

في العقد الأخير، ساهمت الإمارات في إعادة رسم خرائط النفوذ الإقليمي على حساب استقرار عدد من الدول العربية والأفريقية.
في السودان، ربطت مصالحها الاقتصادية (خاصة الذهب) مع تمويل ودعم قوات الدعم السريع، لتصبح شريكاً استراتيجياً في إعادة إنتاج الفوضى السياسية والعسكرية، وضاعف ذلك من معاناة المدنيين في مناطق النزاع.

أثر التدخل الإماراتي السلبي ظهر جلياً في:

  • تغذية المسارات العنيفة عبر دعم فاعلين محليين، وتجنيد مقاتلين للمشاركة في صراعات إقليمية مثل اليمن.
  • تدويل الصراع عبر استغلال الموارد الوطنية وتحويلها إلى أداة قوة غير خاضعة للمساءلة.
  • تفتيت السيادة الوطنية عبر تقوية شبكات قبلية مسلحة ومؤسسات موازية، ما أضعف الدولة وأتاح انتشار الإجرام.

طه عثمان الحسين: الخيانة وتمكين الفوضى

طه عثمان الحسين، المدير السابق لمكتب الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، أصبح محوراً مركزياً لفهم الأزمة السودانية الراهنة.

تشير مصادر محلية وتحليلات صحفية إلى أنه مارس أنشطة تجسسية لصالح المخابرات السعودية في مرحلة مبكرة، مستغلاً موقعه داخل السلطة للحصول على معلومات حساسة حول الدولة والساحة السياسية الداخلية.

لاحقاً، تحوّل دوره إلى أداة تنفيذ لأجندات الإمارات، حيث ساهم في تمكين مليشيات قبلية شبه رسمية، وتسهيل استغلال الموارد الوطنية، بما فيها الذهب، لخدمة مصالح خارجية. هذا التحوّل من مسؤول حكومي إلى مرتزق لصالح جهات خارجية، جعله أحد العوامل المباشرة لتراكم الأزمات التي أدت إلى الحرب الحالية في السودان.

توضح التجربة أن التمويل العربي كان عاملاً حاسماً في تفاقم الأزمة: السعودية، بقيادة محمد بن سلمان، تدخلت في البداية بصورة متسرعة وضيّقة الأفق، وهو ما انعكس على هشاشة سياسات الدولة، بينما استمرت الإمارات في نهجها الداعم للفوضى وتمكين الدعم السريع. طه عثمان الحسين يجسّد نموذجاً صارخاً لكيفية استخدام الأفراد المدعومين من الخارج لتقويض الدولة الوطنية، وتمكين قوى مسلحة موازية، وإعادة إنتاج أزمات عميقة على حساب سيادة واستقرار السودان.

النموذج السوداني: درس للتحذير الإقليمي

تجربة السودان اليوم تظهر كيف تتقاطع السياسات الداخلية والتمويل الخارجي لتنتج مأساة وطنية: مؤسسات الدولة تتفكك، الميليشيات الموازية تسيطر، الموارد الوطنية تُستغل، والسلطة تُوظف لخدمة مصالح قوى محلية وخارجية.
المدنيون هم الضحية الأولى، والدروس واضحة: لا استقرار حقيقي دون استعادة سيادة الدولة، مساءلة المسؤولين، ومراقبة النفوذ الخارجي، ابعاد مؤسسات الدولة عن المنافسة السياسية للأحزاب.

الفاشر وغيرها من المدن السودانية ليست مجرد مسارح معارك، بل مرايا تعكس نتيجة ضيق الأفق والوعي السياسي الذي تستغله القوى المعادية لتنفيذ مخططاتها لإعادة تقسيم المقسم والاستيلاء على الأرض والثروات.
السودان، اليمن ،ليبيا تونس، الصومال، عديد الدول الافريقية ، أينما وجدت خرابا تظهر الامارات كراعي رسمي للخيانة والخراب والفساد.

ثم ماذا بعد..

إلى أين تسير الدول والشعوب المكلومة بعد اتضاح المؤامرة ، هل نأمل أن تنتهي الحرب في اليمن وليبيا والسودان ؟ هل نأمل أن تعود الديمقراطية إلى تونس منبع الربيع العربي؟.

حولت الإمارات آمال اليمنيين في الحكم الرشيد إلى كابوس، كما صنعت الإمارات خليفة حفتر في ليبيا وتستغل عبره النفط الليبي لتمويل تدخلاتها في أفريقيا وشراء المرتزقة من كل أنحاء العالم، تحاول صناعة حفتر آخر في السودان وقسمة سياسية أخرى كما فعلت في ليبيا واليمن لتستمر في سرقة الذهب والثروات من السودان، الوعي السياسي هو مفتاح حل أزمات الدول العربية المتآمر عليها ، التدخل الخارجي لن يحدث إن كان باب الخيانة مغلق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews