تقارير و تحقيقات

العربي بن مهيدي … الرجل الذي حياه جلّاده في ذكرى إندلاع الثورة الجزائرية

مولود سعدالله – مراسلين

من منزل البساطة في أم البواقي إلى ذاكرة العالم العربي ، هنا من هذا المنزل البسيط، تربت شخصيات فولاذية مثل العربي بن مهيدي، الرجل الذي قال عنه الجنرال الفرنسي مارسيل بيجار

“لو أن لدي عشرة من أمثال العربي بن مهيدي، لفتحت العالم كله.”

زارت شبكة مراسلين منزل العربي بن مهيدي في أم البواقي بمناسبة الذكرى الحادية والسبعين لاندلاع الثورة التحريرية الجزائرية 1 نوفمبر 1954 ،
البيت متواضع إلى حد التواضع نفسه، جدرانه تشهد بصمت على زمن لم يكن فيه الكفاح حكاية تروى بل حقيقة تعاش.

أمام الباب الحديدي التقيت بابن عم الشهيد العربي بن مهيدي، رجل بملامح صلبة وهدوء يذكرك بتلك الصور القديمة للأبطال الذين لا يتكلمون كثيرا رفض في البداية أن ألتقط له صورة، لكن حين علم أنني من المسيلة، رفع حاجبيه بدهشة وقال:

“نحن أيضا من المسيلة… أصول العائلة من أولاد دراج، قبل أن تنتقل إلى أم البواقي.”

كانت تلك أول مرة أسمع هذا الربط بين المسيلة والأوراس كأن الجزائر بأكملها كانت تسكن هذا الرجل الواحد روحا وجسدًا.

العربي بن مهيدي لم يكن بطلا عاديا، بل أسطورة الهدوء أمام الألم.
حين أسر بعد معركة العاصمة، نقلوه إلى معتقل سري تابع للمظليين الفرنسيين هناك، بدأت أقسى جلسات التعذيب في حرب الجزائر ، ربطوه من قدميه وعلّقوه رأسا على عقب، صعقوه بالكهرباء، مزقوا جلده بأسلاك حديدية، ومع ذلك، لم يسمعوا منه صرخة أو كلمة واحدة.
قال لهم ببرود لم يفهموه:

“قد وُلدت من أجل الموت في سبيل وطني، فلا تتعبوا أنفسكم “

حين فشلوا في كسر صمته أُرسل إلى غرفة الجنرال بيجار، الذي قال بعد سنوات في مقابلة نادرة:

” كان ينظر إلي وكأنني أنا السجين ، لم أستطع أن أكرهه… بل وجدته أرقى من كل الذين حاكموه “

ليرفع له التحية العسكرية قائلا مقولته الشهيرة بعد سلخ وجه العربي بن مهيدي قائلا
” لو أن لي ثلة من العربي بن مهيدي ، لفتحت العالم “

نعم لقد حياه جلاده لأنه أدرك أن العربي بن مهيدي لم يهزم بل انتصر على الخوف، وانتصر على الموت نفسه.
لقد أرادوا أن يطفئوا صوته فأشعلوا بصمته ضمير أمة بأكملها.

قال قبل استشهاده جملته الخالدة:

” القوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب “

وكان يعلم أن التاريخ سيحتضنه هو الآخر كما احتضن الشعب الثورة.

اليوم حين نعيد الحديث عنه لا نكرّر ما كتب بل نعيد قراءة معنى الرجولة والصبر والإيمان بالوطن ، لقد كان العربي بن مهيدي رجلا عربيًا تجاوز حدود الجزائر، فصار رمزا لكل إنسان حر في هذا العالم العربي الجريح.
رجل واجه الاستعمار بابتسامة شهيرة أثناء اعتقاله ، وأرعب أقوى جيش في أوروبا بنظرة ثابتة.

من بيت متواضع في أم البواقي ومن جذر صامت في أولاد دراج بالمسيلة، خرج العربي بن مهيدي ليعلم العالم أن الحرية لا تنال بالصوت العالي، بل بالثبات في أقسى لحظات الصمت ،
والتي تتجسد في مقولته أيضا لجلاده

” نحن سننتصر لأننا ممثل قوة المستقبل الزاهر وانتم ستهزمون لأنكم تريدون وقف عجلة التاريخ ،،”

العربي بن مهيدي لم يمت..
لقد أصبح فكرة تسكن كل عربي حين يرفض الانحناء ، كان يعلم أن إيمانه وفكره سيخلد في قوله لامه ” اذا ماعشت يا امي سأنجب لك كثيرا من الأطفال وأما إذا ما مت فأبناء الجزائر كلهم أبناءك ” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews