ممداني… بين سقف البيت الأبيض وهاجس انقسامات يهود نيويورك

ضيف الله الطوالي – مراسلين
لم يكن فوز زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك مجرد انتصار انتخابي لمرشح ديمقراطي اشتراكي صاعد، بل كان بمثابة إعلان عن تحول سياسي في المدينة، حوّل سباق العمدة إلى ساحة معركة لأعمق الانقسامات الأيديولوجية العالمية، هذا الفوز يضع أول عمدة مسلم للمدينة في مواجهة مباشرة مع مخاوف وتحديات أكبر تجمعات اليهود خارج خارج الأراضي المحتلة في فلسطين، ويجبره على الموازنة بين قناعاته الصارمة ومتطلبات الحكم العملي.
منذ إعلانه مرشحاً، كان موقف ممداني من إسرائيل هو “صاعقة” الحملة الانتخابية. فالرجل الذي بدأ نشاطه في كلية باودوين بتأسيس فصل لـ “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، ونظم حملات لمقاطعة أكاديمية ضد “الاحتلال الإسرائيلي”، رفض التراجع عن موقفه الأساسي: عدم قبوله لإسرائيل كـ “دولة يهودية” تمنح المواطنة على أساس هرمي ديني، معتبراً الصراع استمراراً لتقليد النضال المناهض للاستعمار، وقد تجسدت أعمق نقطة في هذا الموقف عندما تحدث عن الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي في غزة.
انقسام غير مسبوق في صفوف اليهود
لم يكن رد فعل الجالية اليهودية موحداً، بل انقسم المجتمع في نيويورك بشكل غير مسبوق بين أطراف متنافرة احدهما التيار الرافض والمؤسساتي إذ سارعت المؤسسات اليهودية التقليدية الكبرى، مثل رابطة مكافحة التشهير (A.D.L.) واتحاد المنظمات اليهودية (UJA-Federation)، إلى التعبير عن قلقها الصريح، مشيرة إلى أن “المعتقدات الأساسية للعمدة المنتخب تتعارض بشكل جوهري مع أعمق قناعات مجتمعنا”. وعبّر قادة دينيون بارزون عن هاجس أمني حقيقي، حيث أعرب حاخامات عن خشيتهم من أن مواقف ممداني قد تُقرأ كـ “إذن لأشخاص من اليسار يريدون إلحاق الضرر” باليهود في المدينة. وقد دفع هذا الرفض غالبية الناخبين اليهود التقليديين لدعم منافسه أندرو كومو، والآخر التيار المؤيد والجيلي: في المقابل، احتفلت الأجنحة اليهودية الليبرالية والتقدمية، بقيادة مجموعات مثل “صوت يهودي من أجل السلام” (Jewish Voice for Peace Action)، بالفوز، معتبرة إياه دليلاً على أن الناخبين اليهود أيضاً أصبحوا مستعدين لدعم السياسيين الذين يتحدثون بوضوح عن حقوق الفلسطينيين وينتقدون الأفعال الإسرائيلية. كما حظي ممداني بدعم واسع من الناخبين الشباب ومن بعض الحاخامات الإصلاحيين، وكذلك من الطوائف الحسيدية الساتمارية المناهضة للصهيونية لأسباب دينية تقليدية.

العمدة الجديد بين الوعد والهاجس
يجد ممداني نفسه الآن، بعد الفوز، محاصراً بين التزامه الأيديولوجي الصارم وضرورات القيادة. ففي خطاب فوزه، حاول طمأنة الجميع متعهداً ببناء “مبنى بلدية يقف صامدًا إلى جانب سكان نيويورك اليهود ولا يتوانى في مكافحة آفة معاداة السامية”. وقد جاء هذا الوعد استمراراً لحوارات سرية أجراها مع القادة الدينيين اليهود في محاولة لكسب الثقة.
لكن التحدي الأهم يكمن في تحول دوره من ناشط مناهض للاستعمار إلى عمدة تنفيذي مسؤول عن السلامة اليومية لاكبر التجمعات اليهودية في العالم. عليه الآن أن يجد طريقة للعمل مع المؤسسات اليهودية الكبرى التي انتقدته، والتي تلعب دوراً حيوياً في تمويل الخدمات الاجتماعية والأمنية في نيويورك، دون التنازل عن قناعاته الراسخة التي أوصلته إلى السلطة.
إن ممداني قد نجح في كسر حاجز “ما لا يمكن تصوره” في سياسة نيويورك، ولكن الاختبار الحقيقي يبدأ الآن، فهل يمكنه أن يحكم مدينة متصدعة عميقاً بقضية عالمية، بينما يحافظ على بوصلته الأيديولوجية دون أن تتسبب في تصدع حكمه؟ هذا هو السؤال الذي سيهيمن على السنوات الأربع القادمة في نيويورك.



