سياسة

تصاعد الغضب البريطاني والاوربي ضد ابوظبي

د . أنس الماحي

في مشهدٍ سياسيٍّ غير مسبوق تتعالى في بريطانيا أصواتٌ من مختلف ألوان الطيف الحزبي للمطالبة بمحاسبة دولة الإمارات على خلفية تورّطها الموثّق في المجازر الدامية التي يشهدها إقليم دارفور بالسودان ،، فقد وجّه نوابٌ بريطانيون انتقاداتٍ حادّة لوزيرة الخارجية إيفايت كوبر مطالبينها بموقفٍ أكثر صرامة إزاء أبوظبي التي “تغذّي نيران الحرب السودانية” على حدّ وصفهم عبر دعمها العسكري والمالي لقوات الدعم السريع.

ولم يعد الأمر مجرّد اتهاماتٍ سياسية، إذ كشفت تقاريرُ بريطانية عن العثور على معداتٍ عسكرية بريطانية في أيدي قوات الدعم السريع، كانت قد بيعت مسبقاً للإمارات، مما يعزز الشكوك حول تسرب السلاح عبر قنوات إماراتية إلى الميليشيا المسؤولة عن جرائم ضد المدنيين في دارفور.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن لندن منحت أبوظبي منذ اندلاع الحرب في 2023 أكثر من 132 ترخيصاً لتصدير الأسلحة، بقيمة تقارب 249 مليون جنيه إسترليني ،، صحيفة التليغراف البريطانية نقلت تصريحات نارية للسياسي المخضرم السير إيان دنكان سميث الذي قال بصراحة “الإمارات تدبّر أموراً سيئة فهي متورطة في صراعٍ وحشي أودى بحياة الآلاف من الأبرياء”.

بينما شدّد نوابٌ آخرون على ضرورة وقف التعامل التجاري والعسكري مع أبوظبي، معتبرين أن استمرار بيع الأسلحة لها يجعل بريطانيا شريكاً في الجريمة ،، النائبة راشيل ماسكيل دعت وزيرة الخارجية إلى تفعيل الضغط الدبلوماسي والتجاري على الإمارات، ووقف كل أشكال التعاون العسكري، ومنع استخدام المرتزقة في النزاعات.

أما النائب العمالي كيم جونسون فقد طالب بـ”تعليقٍ فوري لصادرات الأسلحة إلى الإمارات” إلى أن ينتهي تحقيقٌ شامل في كيفية وصول الأسلحة البريطانية إلى يد قوات الدعم السريع.

في السياق ذاته، أظهرت تحقيقات صحيفة الغارديان جانباً أكثر ظلمة من الدور الإماراتي، إذ كشفت عن تجنيد أبوظبي لمرتزقة كولومبيين عبر شركات أمنية خاصة، نقلتهم إلى معسكرات تدريب في الصومال ثم إلى السودان، للقتال ضمن صفوف قوات الدعم السريع.

وروى المرتزق الكولومبي الذي رمزت له الصحيفة بـ”كارلوس” تفاصيل رحلته التي بدأت بعقد مغرٍ وانتهت في ساحات قتالٍ دامية في دارفور، حيث درّب أطفالاً سودانيين على السلاح، في مشهدٍ يختصر بشاعة الحرب وعمق التورط الإماراتي فيها.

وفي تطورٍ دبلوماسيٍّ لافت، قدمت كولومبيا اعتذاراً رسمياً إلى السودان على لسان سفيرتها في القاهرة، بعدما تبيّن أن مرتزقة كولومبيين يقاتلون في السودان بدعمٍ إماراتي حيث أكدت السفيرة أن حكومة بلادها “صُدمت” من هذه المشاركة غير المسؤولة، وأعلنت رفضها القاطع لأي تدخل في الشأن السوداني.

هذه الاعترافات، مقرونة بتحقيقات الصحافة البريطانية والضغوط البرلمانية المتصاعدة، ترسم صورةً قاتمة لدور أبوظبي في النزاع السوداني فالإمارات بحسب نوابٍ بريطانيين لم تعد مجرد “طرفٍ اقتصادي” بل أصبحت فاعلاً عسكرياً يُغذّي حرباً بالوكالة تستخدم فيها السلاح البريطاني والمرتزقة الكولومبيين، وقواعدها في مطار بوصاصو الصومالي لتأمين الإمدادات والانتشار.

لقد تجاوزت القضية حدود الإدانة الأخلاقية إلى سؤالٍ سياسيٍّ صارخ إلى متى ستظلّ الحكومات الغربية تُغضّ الطرف عن جرائم ترتكبها أيادٍ تموّلها أبوظبي؟ وهل يحق لدولةٍ تنادي بالسلام أن تلوّث يديها بدماء الأبرياء في دارفور؟

إنّ تكرار الاتهامات، وتواتر الأدلة وتحرك البرلمانات الأوروبية، كلها مؤشراتٌ على أن الملف الإماراتي في السودان لن يطوى بسهولة، وأن زمن الإفلات من المحاسبة قد شارف على الانتهاء فالسودان الجريح لم يعد يحتمل مزيداً من التجارب بالوكالة، ولا مزيداً من الدماء التي تُراق تحت لافتة “النفوذ الإقليمي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews