من تجميد ميناء الحمدانية إلى توسعة جنجن ، هل جمد المشروع أم تم التخلي عنه ؟!

مولود سعدالله – مراسلين
الجزائر – عاد ملف ميناء الحمدانية بتيبازة إلى الواجهة ليس بسبب إعلان رسمي أو خطوة جديدة، بل بسبب سؤال يتردد في الساحة لماذا اختفى الحديث عن واحد من أضخم المشاريع البحرية في تاريخ الجزائر؟ مشروع كان يقدم قبل سنوات على أنه ” بوابة المتوسط ” و البديل الاستراتيجي لميناء لمرسيليا ، قبل أن يدخل في صمت تام.
ميناء الحمدانية الذي وضع أساسه النظري سنة 2015 بشراكة صينية، كان يفترض أن يكون واحدًا من أكبر 3 موانئ في المتوسط ، بمعالجة 6.5 مليون حاوية سنويًا واستقبال أكبر السفن العملاقة, أيضا إنشاء منطقة لوجستية وصناعية تمتد على آلاف الهكتارات, وكذا خلق عشرات الآلاف من مناصب العمل, وكان الهدف الأوسع تغيير الاتجاه البحري للسفن العملاقة مباشرة نحو الجزائر بدل موانئ فرنسا وإسبانيا.
لكن خلال العامين الأخيرين هدأ كل شيء، لا تصريحات لا تحديثات لا تقدم ميداني واضح .
الحمدانية كان سيمنح الجزائر قوة لوجستية غير مسبوقة باستقلال أكبر عن الموانئ الأوروبية و تعزيز القدرة التصديرية و ربط مباشر بالمبادرة الصينية “الحزام والطريق”
جذب الشركات العالمية .
لكن بنفس القدركان المشروع يضر آخرين ، فرنسا على سبيل المثال كانت تنظر بعين غير مرتاحة لفكرة ظهور ميناء ضخم ينافس مرسيليا ، الذي يستقبل نسبة معتبرة من البواخر المتجهة نحو الجزائر ،
كما أن دخول الصين بهذا الحجم أثار حساسية أوروبية واضحة الموانئ الكبرى أصبحت بوابة نفوذ جيوسياسي، وهذا وحده يرفع من مستوى التحفظات.

الرأي الوطني المخالف
داخليًا لم يكن المشروع يحظى بإجماع كامل ، هناك رأي وطني يرى أن :
الكلفة تضخمت بشكل غير منطقي، وانتقلت التقديرات من 3.5 مليار إلى ما قد يتجاوز 6 أو 7 مليارات دولار بعد التضخم العالمي.
وان نموذج التسيير الصيني يهدد السيادة على المدى الطويل ، خاصة مع طلب بكين الحصول على نسب عالية من التحكم لمدة زمنية محددة .
كما أن البدائل المحلية موجودة وتعمل الآن ولا حاجة لانتظار مشروع ضخم معقد سياسيا وماليا ، منها الاستثمار في توسيع الموانئ القائمة بدل بناء ميناء جديد قد يكون أكثر واقعية وأقل خطورة ، هذا الطرح حتى وإن لم يقدم في شكل مواجهة رسمية أصبح حاضرا بقوة في النقاش الوطني.
هنا ظهر ميناء جنجن ” البديل الذي لم يعلن عنه رسميًا “
و كانت الجزائر تتحرك في اتجاه توسيع ميناء جنجن بجيجل ،
وبهدوء تحول جنجن إلى أول ميناء جزائري يستقبل سفنا عملاقة من فئات لم تكن تدخل البلاد سابقا
تم تعميق الحوض و توسعة الأرصفة ورفع القدرة على مناولة الحاويات.
جنجن بدأ يؤدي بعض الوظائف التي كان يفترض أن يؤديها ميناءالحمدانية ، بدون صراع سياسي، وبدون تكلفة 7 مليارات وبدون رهن أجزاء من الميناء لشركات أجنبية.
وهناك قراءة تقول
الجزائر لا تريد التخلي عن طموح “الميناء الكبير ” لكنها في نفس الوقت تبني بديلا وطنيا تدريجيا، وتفك ارتباطها بالموانئ الأوروبية دون الدخول في صدامات أو التزامات ثقيلة.
إذن الظاهر ان الحمدانية لم يلغ لكنه مجمد بقرار سياسي واقعي، جنجن يتحول إلى مشروع صاعد أقل خطورة وأقل تكلفة.
أيضا قد يكون سبب تجميد المشروع هو ترتيب الأولويات و التركيز على الأمن الغذائي، الطاقة، الصناعات الاستراتيجية، وتطوير الموانئ القائمة بدل مشاريع عملاقة مكلفة.
ميناء الحمدانية لم يكن مجرد مشروع بنى تحتية ، بل كان ساحة صراع هادئ بين رؤى اقتصادية وسيادية وجيوسياسية ، لكن يبقى مشروع طموح تفاءل به الجزائريون .



