من “الميغ” الروسية إلى “التنين الصيني”: إيران تُعيد تشكيل قوتها الجوية تمهيدًا لمرحلة ما بعد الردع

ريتا الأبيض – مراسلين
تتحرك إيران بخطى متسارعة نحو مرحلة جديدة في استراتيجيتها العسكرية، واضعةً نصب عينيها هدفًا واضحًا: التحضير الجدي لحربٍ محتملة قد تغيّر وجه الشرق الأوسط.
فبحسب تقارير إعلامية إيرانية ودولية متطابقة، أطلقت طهران في الأسابيع الأخيرة أكبر عملية تحديث لسلاحها الجوي منذ الحرب العراقية – الإيرانية، في إشارة واضحة إلى تحوّل نوعي في نهجها الدفاعي والهجومي على السواء.
وتشير التقارير إلى أنّ وزارة الدفاع الإيرانية تعمل على استبدال أسطولها القديم من طائرات “ميغ-29” و”فانتوم” بطائرات أحدث، من بينها مقاتلات “جي-10 سي” الصينية المعروفة بلقب “التنين الصيني”.
هذه الطائرات، التي تُعدّ من الجيل الرابع المتقدّم، تمنح طهران قدرة أكبر على التحليق لمسافات طويلة وتنفيذ ضربات دقيقة في العمق، وهي ميزة كانت تفتقر إليها القوات الإيرانية خلال السنوات الماضية.
ويقول محللون إنّ التحرك الإيراني يأتي بعد انتكاساتٍ ميدانية وأمنية خلال المواجهات المحدودة مع إسرائيل في حزيران الماضي، حيث أظهرت العمليات حينها ضعفًا واضحًا في منظومة التنسيق الجوي والاستخباراتي.
تلك التجربة – وإن كانت قصيرة – شكّلت درسًا قاسيًا لطهران، التي سارعت بعدها إلى إعادة تقييم بنيتها العسكرية، خصوصًا في سلاح الجو، الذي عانى من تقادم معداته نتيجة العقوبات الغربية الطويلة.
المصادر العسكرية الغربية ترى في التحركات الإيرانية تحولًا استراتيجيًا مدروسًا، يهدف إلى تحقيق “اكتفاء عسكري جزئي” من خلال الدمج بين التكنولوجيا الصينية والخبرة الروسية والتصنيع المحلي.
كما تربط بعض الدوائر الاستخباراتية هذه الخطوة بالتقارب المتزايد بين طهران وبكين وموسكو، في إطار محورٍ يسعى إلى كسر التفوّق الغربي في مجال الطيران الحربي.
وفي المقابل، يحذّر محللون غربيون من أنّ التصعيد الإيراني في التسلّح الجوي قد يُعيد المنطقة إلى سباق تسلّحٍ مفتوح يشمل إسرائيل ودول الخليج، ما يرفع من احتمالات وقوع مواجهة جوية مباشرة في حال فشل الوساطات الدولية.
على الصعيد الداخلي، تسعى الحكومة الإيرانية إلى تقديم المشروع الجديد كـ رمزٍ للسيادة الوطنية وقدرة طهران على النهوض رغم العقوبات.
الإعلام الإيراني الرسمي ركّز في تغطيته الأخيرة على “النهضة العسكرية” وعلى ما وصفه بـ“التحول من الردع الدفاعي إلى الردع الهجومي”، وهي عبارة تعبّر بوضوح عن تغيير في العقيدة القتالية الإيرانية بعد سنوات من الاكتفاء بالرد المحدود
إنّ التحركات الإيرانية الأخيرة ليست مجرد تحديث تقني، بل إعلان غير مباشر عن بداية مرحلة ما بعد الردع التقليدي.
فطهران، التي كانت تكتفي بالتهديد والرد المحسوب، تبدو اليوم أكثر انفتاحًا على خيار الاستعداد للحرب الطويلة، لا كخيارٍ هجومي، بل كـ وسيلة لفرض معادلة توازن جديدة في وجه خصومها الإقليميين.
وفي المقابل، يبدو أنّ إسرائيل ودول الغرب تتابع هذه الخطوات بكثيرٍ من القلق، وسط تقديرات بأنّ أي خطأ في الحسابات قد يُشعل حربًا واسعة تمتد من جنوب لبنان إلى مياه الخليج.



