سياحة و سفر

القصبة وساحة الشهداء : تاريخ مدفون يروي نفسه

مولود سعدالله – مراسلين

الجزائر- في كل مرة تصعد فيها درجات القصبة، تشعر بأنك تدخل طبقة جديدة من التاريخ ، هنا لا يمر الزمن مروراً عابراً بل يترك بصماته على الجدران وفي تفاصيل الأزقة ، عند تجوالك في أزقة القصبة تستذكر أيضا بطولات على لابوانت وحسيبة بن بوعلي ، أما في ساحة الشهداء حيث يختلط هدير العاصمة بنفس البحر، فقد تكفلت الصدفة بكشف مدينة كاملة كانت نائمة تحت الأرض ، مدينة ظهرت أثناء حفر مترو الجزائر، لتعيد رسم فهمنا للقصبة و للعاصمة كلها.

و للاقتراب أكثر من هذا الإرث كان لشبكة مراسلين حوار مع ” إسماعيل غرزول ” وهو مرشد سياحي ومؤلف وأستاذ موسيقي، من أكثر الذين يقرأون القصبة طبقة طبقة، ويعرفون تاريخها .
يقول إسماعيل :
” خلال أشغال المترو في ساحة الشهداء، اكتشفوا آثارا مهمة جدا لدرجة أنهم غيروا مدخل المحطة ، ما فما ظهر هناك كان قلب المدينة القديمة : قصر الجنينة الذي كان يشرف عليه الداي حسين، منارة مسجد السيدة اجمل مسجد ذلك الوقت ، دار المال، ومدرسة القصيرية. كما تم العثور على آثار رومانية أعمق ” .

ثم يضيف:
” باطن القصبة مليء بالطبقات فينيقية، رومانية، وإسلامية. كل طبقة تفتح بابا لحقبة جديدة” ،
اليوم تعرض بعض هذه الآثار ، بينما تنتظر أجزاء أخرى التفاتة أكبر.

وعن الحقبة الأكثر حضورا ، يوضح إسماعيل:
” الطابع العثماني هو الغالب في القصبة ، لكن خلال الاحتلال الفرنسي تغير الكثير ، من أصل حوالي 80 أو 85 مسجدًا أثريا لم يبق إلا خمسة فقط” ، رقم موجع لكنه يختصر خسارة القرن الماضي.

في كلمة واحدة… ما هي القصبة؟

ابتسم إسماعيل وقال بثقة:
“القصبة هي أسطورة المتوسط.”
ويشرح:
نسيجها العمراني لامثيل له في العالم ويضيف :
” القصبة الأصلية كانت في المرتفع قرب قصر الداي أما ما نسميه اليوم القصبة فكان يعرف قديما باسم “المدينة ” فقط .

أما عن إجابته عن سؤال كيف تستعيد القصبة بريقها ؟ من وجهة نظر إسماعيل الطريق واضح :
ترميم يحترم روح المنازل القديمة التي تختلف حسب شكلها ( الدويرة، الدار، القصر )
و إعادة إحياء الحرف التقليدية التي كانت شريان القصبة ، كإنشاء مجمع للحرفيين، لأنهم كما يقول هم ” روح المكان ” .
ويضيف:
” حتى فرنسا كانت تخشى نقابة حرفيي القصبة كان لهم ثقل قوي ” .

ورغم عودة الحركة السياحية مؤخرا، إلا أن الترويج الإعلامي يبقى حسبه أقل بكثير من قيمة الموقع.

هل ما زالت القصبة تحتفظ بطابعها؟

يجيب إسماعيل بوضوح
” بقي جزء من الطابع القديم لكن كثيرا من العادات اندثرت ، بعض العائلات لا تزال محافظة على موروثها لكن النسبة قليلة ” .

من غرناطة إلى الشعبي موسيقى عبرت القرون

كأستاذ موسيقي يعطي إسماعيل بعداً آخر:
” الطابع الأندلسي كان هو المنتشر قديما وجاء به الأندلسيون بعد سقوط غرناطة سنة 1492 ، وفي القرن 19 ظهر نمط جديد بدأ كمدائح دينية قبل أن يطوره محمد العنقى، ليصبح ما نعرفه اليوم بالشعبي ” .
ويذكر رواد هذا الفن مثل:
بوجمعة العنقيس، عمر الزاهي، دحمان الحراشي، الهاشمي قروابي وغيرهم.

تحديات المرشدين مهنة تحتاج إلى تأطير فعلي

يقول إسماعيل بصراحة:
” معظم المرشدين شباب متطوعون لديهم حب للمكان، لكن لا توجد جهة تؤطرهم أكاديميا ، نحتاج إلى تكوين حقيقي يضمن أن يأخذ السائح المعلومة كاملة ، وأن تبقى المهنة ثقافية لا مجرد تجارة .

القصبة ذاكرة مدينة تعيد اكتشاف نفسها مع كل حجر يكشف عنه.
وساحة الشهداء ليست ميدانا فقط بل طبقة سفلية من العاصمة خرجت للضوء بعد قرون .

وبين الأزقة التي تتنفس تاريخا يقف أشخاص مثل إسماعيل غرزول يحاولون حماية ما تبقى من روح القصبة قبل أن يبتلعه الزمن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews