تقارير و تحقيقات

الأوبئة تعود بقوة إلى اليمن.. الكوليرا وشلل الأطفال في المشهد مجددًا

أمل صالح- مراسلين

تدفع الصراعات في أي بلد بالأوبئة إلى الواجهة، ليكون المواطن الضحية الأولى لحروب لا ناقة له فيها ولا جمل، وليس له من ذنب سوى أنه ينتمي إلى وطن تكثر فيه الصراعات وتتشتت فيه الضمائر، وتتعاظم فيه نزعة الأنا وحب السيطرة على حساب من لا قيمة لهم في أجندة المسؤول أو المتحكم بزمام السلطة، كما هو الحال في اليمن.

الكوليرا، هذا الوباء الذي يشتت شمل الأحبة، وينهك جيوب الضعفاء، ويشوّه سمعة السلطة، يقف شاهداً على عجز الدولة عن السيطرة عليه في ظل الانهيار الكبير في المنظومة الصحية، وغياب الرؤية الحقيقية للاهتمام بحياة الناس ومصالحهم.

في تقرير سابق لمنظمة الصحة العالمية، أفادت بأن الوضع العالمي لمرض الكوليرا مستمر في التدهور، موضحة أنه تم خلال العام 2025 الإبلاغ عن أكثر من 390 ألف حالة إصابة بالكوليرا وأكثر من 4,300 وفاة في 31 بلداً من بينها السودان واليمن، التي سجلت ما يقارب 60,794 حالة إصابة و164 وفاة بحسب المنظمة.

وفي تقرير حديث للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، حمّل فيه السلطات والأطراف المسيطرة في اليمن المسؤولية القانونية والأخلاقية عن تفشي وباء الكوليرا، مؤكداً أن انتشاره جاء “نتيجة مباشرة لانهيار شبكات المياه والصرف الصحي، وسوء إدارة النفايات، وعرقلة وصول الفرق الطبية والإمدادات”. وهذا ما أكده لـشبكة “مراسلين” تيسير السامعي، مسؤول الإعلام الصحي بمكتب الصحة بمحافظة تعز، الذي أشار إلى أن الحرب التي اندلعت عام 2015 أوجدت العديد من العوامل التي أدت إلى تفشي الأمراض والأوبئة في اليمن، وفي مقدمتها الكوليرا،التي حصدت وما تزال تحصد الأرواح.

وكانت بداية انتشار وباء الكوليرا على نطاق واسع في اليمن عامي 2016–2017، حيث تسبب بوفاة نحو 2000 شخص وإصابة ما يقارب مليوني شخص. واستمر انتشار المرض لاحقاً، ليحصد ما يقارب أربعة آلاف وفاة ويصيب نحو أربعة ملايين شخص خلال الفترة بين 2018–2020 بحسب التقديرات.

وأوضح السامعي أن الوباء بدأ بالتراجع خلال عامي 2021–2022 مع تسجيل عدد أقل من الحالات، إلا أن المرض عاد للتفشي مع نهاية 2023، وفي عام 2024 تسارعت موجة الانتشار بشكل أكبر في مختلف المحافظات اليمنية.

تيسير السامعي- مسؤول الإعلام الصحي بمكتب الصحة بمحافظة تعز– اليمن

وسُجل في محافظة تعز، المدينة الأعلى كثافة سكانية في اليمن، أكثر من 9,000 إصابة و54 حالة وفاة خلال عام 2024 فقط. ومنذ مطلع عام 2025 تم تسجيل العديد من حالات الإصابة في مختلف المحافظات، مع تقديرات تشير إلى تسجيل 62,000 إصابة و200 وفاة بحسب مكتب الصحة التابع للحكومة المعترف بها دولياً. ومع ذلك، فإن ما يتم رصده لا يعكس بالضرورة الأرقام الحقيقية، خصوصاً في المحافظات الخاضعة لسلطات الأمر الواقع” الحوثيين” شمال البلاد، حيث يصعب الحصول على بيانات دقيقة، ما يعني أن الأرقام الفعلية قد تكون أعلى بكثير.

وقد أشارت مصادر طبية في تعز إلى تسجيل أكثر من 7,300 حالة إصابة و11 حالة وفاة منذ بداية العام الحالي فقط.

المرتبة الثانية عالميًا
وفي تقرير حديث نُشر نهاية أكتوبر الماضي، أكدت الأمم المتحدة أن اليمن يُعد ثاني أكبر دولة في تفشي الكوليرا عالمياً، مع تسجيل أكثر من 81 ألف حالة جديدة منذ مطلع العام 2025.
وقالت منظمة الصحة العالمية إنه تم الإبلاغ عن 81,189 حالة مشتبه بإصابتها بالكوليرا والإسهال المائي الحاد في اليمن خلال الفترة بين 1 يناير و28 سبتمبر 2025.
وأضاف التقرير أن عدد الوفيات المرتبطة بالوباء بلغ 225 وفاة خلال الفترة ذاتها، وهو ما يضع اليمن في المرتبة الثالثة عالميًا في معدل الإماتة (241 وفاة لكل 100 ألف إصابة)، بعد جنوب السودان وأفغانستان.
وبحسب بيانات المنظمة، فإن اليمن يحتل المرتبة الثانية عالميًا في عدد الإصابات بعد أفغانستان التي سجلت 133,211 إصابة جديدة.

شلل الأطفال يعود من جديد

لا تقف معاناة اليمنيين عند الكوليرا فقط، إذ عاد مرض شلل الأطفال ليطفو على السطح من جديد، بعد أن أعلنت الأمم المتحدة عام 2009 رسمياً خلو اليمن من المرض. إلا أن انخفاض تغطية حملات التحصين وصعوبة وصول اللقاحات، خاصة في مناطق شمال الشمال الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ساهم في عودة المرض وانتشاره من جديد.

فقد سُجلت قرابة 228 حالة إصابة خلال عامي 2021–2022، إلى جانب حالات جديدة خلال 2023–2024، فيما تم تسجيل 29 حالة إصابة جديدة خلال عام 2025، وسط مخاوف من أن تكون الأعداد الفعلية أكبر بكثير بسبب غياب القدرة على الرصد في العديد من المناطق.

وأشار السامعي إلى أن انتشار المرض مرتبط بشكل رئيسي بامتناع بعض الأهالي عن التحصين نتيجة الشائعات، إضافة إلى القيود المفروضة على حملات التطعيم في المناطق الشمالية.

وأكد أن السلاح الوحيد المتاح حالياً للحد من هذه الأوبئة هو رفع الوعي الصحي وتكثيف حملات التوعية وتشجيع الأهالي على تحصين أطفالهم.

وفي ختام حديثه لشبكة مراسلين، أعرب السامعي عن أمله في أن يتم القضاء على هذه الأوبئة خلال السنوات القادمة، شريطة توفر بيئة صحية مناسبة واستمرار الجهود الطبية والمجتمعية لاستعادة حق اليمنيين في حياة صحية وآمنة.

يُشار إلى أن اليمن يُصنَّف ضمن أفقر دول العالم، ورغم أن وجود المنظمات الدولية يُسهم في تخفيف جزء من المعاناة الإنسانية، فإن معظم هذه المنظمات أوقفت أعمالها في مناطق سيطرة الحوثيين ونقلتها إلى المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليًا، نتيجة الاعتقالات المتكررة التي طالت موظفيها في صنعاء. هذا التحوّل يعرّض ملايين السكان في الشمال لخطر فقدان الخدمات الصحية والمساعدات الإغاثية الأساسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews