القضية السورية -رهان مصيري وتحديات كبيرة

بقلم: عبدالله حسن زيد
صحفي سوري –كاتب وباحث في العلاقات الدولية والدبلوماسية
بُعيد مرور قرابة العام على انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، تشهد سوريا مرحلة انتقالية تجمع بين التعقيد والهشاشة. الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ، زعيم هيئة تحرير الشام التي قادت الهجوم المزلزل على دمشق، يتزعَّم الآن السلطة الانتقالية، وأصدر إعلاناً دستورياً في مارس 2025 يُرسي دعائم مرحلة حكم جديدة تستند إلى ثلاثة أركان مُعلنة: توازن دبلوماسي، استتباب أمني، وإعمار اقتصادي.
المشهد الراهن يُظهِر تقدماً لافتاً على الصعيد الدولي. زيارة الرئيس الشرع غير المسبوقة لواشنطن ومقابلته للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نوفمبر 2025 شكّلت منعطفاً مفصلياً، أعقبها زيارات لبريطانيا والصين، وبدء تخفيف تدريجي للعقوبات الغربية. صندوق النقد الدولي أشار في تقريره الأخير (نوفمبر 2025) إلى «بواكير انتعاش» في الاقتصاد السوري، بالتزامن مع توقيع اتفاقيات استثمار خليجية-غربية-تركية-قطرية بمليارات الدولارات في قطاع الطاقة. كما عاد قرابة 600 ألف لاجئ حتى الآن، وتراجعت حدة الاشتباكات المسلحة الكبرى بشكل ملحوظ.
لكن الوضع الداخلي أقل تفاؤلاً. رغم سيطرة الحكومة المركزية على معظم الجغرافيا السورية، لا تزال مناطق الشمال الشرقي (تحت سيطرة قسد) تشهد مفاوضات شاقة حول الدمج في المؤسسة العسكرية الوطنية، فيما تشهد مناطق الساحل توتراً طائفياً حادّاً بلغت حدّته في نزوح جماعي نحو مناطق لبنان هرباً من أعمال انتقامية. وخصوصاً بعد مجازر الساحل في مارس الماضي .
وفي السويداء، اندلعت مواجهات طائفية دموية في يوليو-أغسطس 2025، مع استمرار عمليات الخطف والاغتيالات الانتقامية، حيث سجلت الأمم المتحدة أكثر من 100 حالة اختطاف منذ يناير 2025. كما نفذت إسرائيل أكثر من 1000 غارة و400 توغل بري منذ ديسمبر 2024، وفرضت سيطرتها الفعلية على أجزاء إضافية من هضبة الجولان وجنوب جبل الشيخ، مما دفع الشرع لرفض أي حديث راهن عن تطبيع العلاقات.
أبرز التحديات:
1-غياب آليات العدالة الانتقالية: في ظلّ افتقاد آليات محاسبة وطنية موثوقة، يحلّ الثأر الفردي محلّ سيادة القانون، مما ينذر باستمرار دوائر العنف الطائفي التي مزّقت البلاد على مدى 14 عاماً.
2-الاقتصاد المنهك والتمويل المشروط: لا يزال النداء الإنساني للأمم المتحدة يعاني من عجز تمويلي (18% فقط)، كما أن الاستثمارات الكبرى معلقة على تحقيق “استقرار سياسي حقيقي” غير متوفر بعد.
3-الانقسامات الطائفية والإقليمية: لا تزال الانقسامات المذهبية والإثنية (علوية-درزية-كردية-سُنية) قابلة للاشتعال، وأي خطأ في إدارة ملف الساحل أو السويداء أو الشمال الشرقي قد يُشعل فتيل صراع جديد. بينما تواصل إسرائيل سياسة “تقويض القدرات الدفاعية السورية” بحجة منع عودة النفوذ الإيراني.
4-رغم الخطاب العملي للسيد الشرع، لا يزال المجتمع السوري يعاني من مخلفات الجهل والتبعية والعقلية السيئة للنظام السابق، ويتطلب تحول الدولة السورية إلى “دولة مدنية” وقتاً وإثباتات ملموسة، خاصة في مجالي حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
خلاصة القول إن سوريا اليوم ليست في حالة حرب شاملة، لكن السلام الحقيقي لم يتحقق بعد. تُتاح فرصة تاريخية لطي صفحة عقود من الاستبداد والنزاع، لكنها تتطلب جرأة سياسية استثنائية وعدالة انتقالية فاعلة، اندماج وطني شامل، وقطيعة تامة مع الارتباطات الأيديولوجية المتطرفة. إن فشلت القيادة الحالية في تجاوز هذه المعضلات الثلاث، فسينذر شبح التمزّق أو العودة للعنف بالأقرب. أما إن أفلحت، فقد تصبح سوريا (2025-2030) نموذجاً لانتقال ناجح من الثورة إلى الدولة. الوقت ضاغط، والرهان مصيري.



