مقالات

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بين زيارتين في واشنطن..

بقلم : رائد الجحافي

كيف تستخدم السعودية تحركاتها الدبلوماسية لتعزيز مكانتها الإقليمية والعالمية في سياق بيئة سياسية متغيرة لا تعرف الاستقرار الكامل.

الفرق بين الزيارتين الذي قام بهما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن الاولى في عهد الرئاسة الأولى للرئيس ترامب والزيارة الأخيرة التي يجريها في الوقت الراهن بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً..

فالزيارتين بالمجمل تعكس تحولات جوهرية في العلاقات السعودية-الأمريكية، وتعبر عن استراتيجيات مختلفة في السياسة الخارجية بناءً على السياق الإقليمي والدولي..

زيارة عام 2018 في عهد الرئاسة الاولى للرئيس الأمريكي ترامب تمت في إطار علاقة شخصية وديناميكية مع الرئيس ترامب الذي كان يولي أهمية كبيرة للتحالف مع السعودية كركيزة أمنية واستراتيجية في مواجهة إيران وضمان استقرار إمدادات النفط..
اتسمت تلك الزيارة بحفاوة رسمية، وتركيز على الصفقات الدفاعية الضخمة ودعم البرنامج النووي السلمي السعودي، فضلاً عن التحالف الاقتصادي والأمني المتين..

ترامب كان يعبر عن دعم صريح وشخصي لولي العهد، وهو ما ساهم في إظهار قوة العلاقات السياسية بين البلدين، رغم الانتقادات الدولية لمواقف السعودية في ملفات حقوق الإنسان وغيرها..

وعلى الرغم من أن تلك الزيارة كانت شابها الكثير من الكلام الساخر الذي أبداه ترامب تجاه الضيف وإبراز عضلات واشنطن والمكاشفة بما تطمح إليه من كسب الأموال من الخليجيين لكن المراقبين اعتبروا جوهر تلك الزيارة رسالة تعكس التناغم المباشر بين القيادة السعودية والإدارة الأمريكية فيما يخص المصالح الاستراتيجية، مع تعزيز مكانة السعودية كلاعب إقليمي مؤثر ومتناغم مع النفوذ الأمريكي في المنطقة..

أما الزيارة الأخيرة اليوم إلى واشنطن، فهي تجري في سياق دولي وإقليمي مختلف تماماً، يحكمه تشابك متزايد للتحديات مثل الأزمة في الشرق الأوسط، خصوصاً ملف غزة ووقف إطلاق النار، وتنافس عالمي معقد يضم الصين وروسيا، وتحول في السياسات الأمريكية تجاه حقوق الإنسان وتأثيرها على العلاقات مع السعودية..

هذه الزيارة تأتي كجزء من تكاتف إقليمي ومفاوضات استراتيجية، فيها تركيز أكبر على إنجاز الصفقات الاستثمارية، خاصة في قطاعات الطاقة والذكاء الاصطناعي، وتعزيز شراكات دفاعية ذات طابع عملي وتنفيذي، أكثر احترافية وأقل انفعالية مقارنة مع زيارة ترامب. كما أنها تحمل دلالة على استمرار السعودية في إعادة صياغة علاقاتها الدولية، ومحاولة فرض نفسها كقوة متوسطة تلعب دوراً مستقلاً مع الحفاظ على تحالف استراتيجي مركب ومتوازن بين الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى..

هذه الزيارة تتسم بطابع رسمي للعمل الجاد، وتميزها أجواء من التنسيق لتحقيق منافع متبادلة ملموسة على الأرض، في وقت تتزايد فيه حساسية القضايا الإقليمية وقضايا حقوق الإنسان التي باتت تلعب دوراً في الدبلوماسية الأمريكية..

الفرق الجوهري إذًا يكمن في السياق السياسي والاستراتيجي لكل زيارة، وحجم الاندماج والتفاعل بين الشخصيات القيادية، وطبيعة الملفات المطروحة التي تعكس حالة التحول في السياسة الإقليمية والدولية، فهناك زيارة قام بها الرئيس الأمريكي ترامب كانت تعبيراً عن شراكة مفعمة بالدعم الشخصي والسياسي، بينما هذه الزيارة التي يقوم بها ولي العهد السعودي تعكس نضجاً دبلوماسياً وواقعية تنفيذية وسط تحديات معقدة تفرض تعاملاً مختلفاً وبُعداً استراتيجياً أوسع وأكثر توازناً..

وكان المشهد مختلف ففي الزيارة السابقة كان هناك حسن نصـ ـرالله، والحوووثي والملف النـ ـووي الايـ ـرراني ويشار الأسد..
أما في الزيارة الأخيرة غاب نصر الله، والأسد، واسقطت واشنطن بعض واجباتها تجاه وعودها السابقة خصوصاً في ضرب نـ ـووي طـ ـهران، وضرب الخووثي، وطي ملفات حقوقية كانت مثارة وبقوة في الكونجرس الأمريكي أهمها قضية خاشقجي وملفات الإعـ ـدام للمعارضين السعوديين والاعتـ ـقالات التي طالت الكثير من الناشطين واستخدام الأسلـ ـحة المحـرمة في حرب اليمن وغيرها..

في الزيارة السابقة لعل الأمر كان محصوراً بين ماهية ووسائل الدفاع الأمني لحماية سيادة الأراضي السعودية من اي تهديدات عسكرية، بينما الزيارة الأخيرة تطورت إلى الأمن السبراني، وبتفصيل أكثر وأوضح، في زيارة 2018، كان ملف التعاون السيبراني وأمن المعلومات لا يزال في بداياته من حيث التركيز والتطوير ضمن علاقات الرياض-واشنطن، حيث كانت الأولويات الأمنية تتركز بشكل رئيسي على الصفقات العسكرية التقليدية والتحديات الإقليمية التقليدية..
فالذكاء الاصطناعي لم يكن قد تبوأ مكانه كأساس رقمي رئيسي في الخطط الأمنية السعودية الأمريكية ولا ضمن أجندات التعاون التقني المتقدمة، بل كان المجال لا يزال في طور التجريب الأولي والتقييم..

أما في هذه الزيارة 2025، فقد تحول التعاون السيبراني والذكاء الاصطناعي ليصبحا من أبرز الركائز في العلاقة بين البلدين، مع تركيز على تبني تقنيات متطورة مثل التعلم الآلي، التحليل اللحظي للتهديدات، وأتمتة الاستجابة للهجمات السيبرانية، مع تعزيز الأطر القانونية والتشريعية التي تحكم حماية البيانات والخصوصية..

السعودية تعمل الآن على بناء منظومة أمن سيبراني متكاملة تستفيد من قدرات الذكاء الاصطناعي لتأمين البنية التحتية الحيوية بما في ذلك الشبكات الوطنية وأنظمة الطاقة، بينما تستفيد واشنطن من هذه الشراكة لتعزيز حضورها في منظومات التكنولوجيا الذكية الإقليمية، كما أن تبادل الخبرات يشمل تطوير نماذج متقدمة لإدارة المخاطر السيبرانية المرتبطة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، وتوطيد التعاون في أبحاث مشتركة تعزز من قدرة الدفاع السيبراني والوقاية من الهجمات الإلكترونية المعقدة..

Amjad Abuarafeh

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews