ترامب يهدد نيجيريا… وصمت أمريكي عن قصف إسرائيل للمسيحيين في غزة

ممدوح ساتي -مراسلين
في مفارقة حادة تثير جدلًا واسعًا حول معايير الولايات المتحدة في ملف الحريات الدينية، صعّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهجته تجاه نيجيريا ملوّحًا بضربات “سريعة وشرسة” بدعوى حماية المسيحيين هناك، في مقابل صمت أمريكي كامل عن استهداف إسرائيل لمؤسسات مسيحية في غزة، بما في ذلك المستشفى المعمداني التابع للكنيسة.
وقال ترامب في تصريحات حادة إن إدارته “لن تقف متفرجة على قتل المسيحيين في نيجيريا”، مهددًا بوقف المساعدات واتخاذ “إجراءات قاسية وغير مسبوقة” إذا لم تتحرك أبوجا على الفور. وذهب إلى حدّ التلويح بالتحرك العسكري المباشر، معتبرًا أن حماية المسيحيين “واجب أخلاقي على واشنطن”.
لكن الخطاب الذي يعلو عند حدود نيجيريا يخفت تمامًا أمام قصف المؤسسات المسيحية في غزة، حيث تعرض المستشفى المعمداني لأضرار جسيمة وأصيبت كنائس ومبانٍ تابعة للطوائف المسيحية تحت القصف الإسرائيلي، وسقط مسيحيون فلسطينيون ضمن الضحايا دون أن يصدر عن الإدارة الأمريكية أي تهديد أو إدانة أو حتى بيان تعبير عن “القلق”.
وتزداد المفارقة وضوحًا حين يُنظر إلى المشهد الفلسطيني الأوسع، حيث لا يقتصر الاستهداف الإسرائيلي على المسلمين وحدهم، بل يطول كل من يحمل هوية فلسطينية، أياً كانت ديانته. فقد خرج مؤخرًا من السجون الإسرائيلية أسير فلسطيني يهودي من الطائفة السامرية بعد سنوات من الاعتقال، في واقعة تؤكد أن الاحتلال يتعامل مع الفلسطيني بصفته “فلسطينيًا” لا “يهوديًا” أو “مسيحيًا”، وأن الهوية الدينية لا تمنح أي حصانة من الاعتقال أو القمع أو التمييز. هذا النموذج ينسف الخطاب الإسرائيلي — ومن ورائه الأمريكي — عن “حماية الأقليات”، ويكشف أن الفلسطيني مستهدف بهويته الوطنية قبل أي اعتبار آخر.
وتبرز هنا المفارقة التي أثارت انتقادات واسعة:
ففي حين تُستخدم معاناة المسيحيين في نيجيريا كذريعة للتصعيد والتهديد، يُطوى الملف نفسه عندما يتعلق الأمر بمسيحيين في غزة يقعون تحت القصف الإسرائيلي، رغم أنهم ينتمون للطائفة الدينية ذاتها التي يتحدث ترامب عن حمايتها.
ويرى مراقبون أن هذا التناقض يعكس انتقائية واضحة في الخطاب الأمريكي تجاه قضايا الأقليات الدينية، إذ تُستدعى لغة “الحماية” و“التدخل” عندما تخدم مصالح سياسية أو انتخابية، بينما تتراجع تمامًا أمام اعتبارات الدعم الاستراتيجي لإسرائيل. ويذهب بعض المحللين إلى القول إن واشنطن “تحمي المسيحيين في نيجيريا كما تشاء سياستها، وتتجاهل المسيحيين في غزة كما تشاء مصالحها”.
وفي الوقت الذي يرفع فيه ترامب سقف تهديداته ضد أبوجا، يحمّل منتقدون الإدارة الأمريكية مسؤولية التناقض الأخلاقي في موقفها، معتبرين أن قتل المسيحيين يتحول في نيجيريا إلى سبب للتهديد العسكري… بينما لا يتحول في غزة حتى إلى جملة في بيان رسمي.
وبذلك، تبدو قضية “حماية المسيحيين” — كما يقول خبراء — ورقة سياسية لا مبدأ ثابتًا، تُستخدم حيث تريد واشنطن الضغط، وتُسحب حين يتعارض الأمر مع تحالفاتها التقليدية.






