مقالات

ما لم تقله الصور عن لقاء بن سلمان وترامب

بقلم: علي زم
صحفي وخبير في الشؤون الإقليمية

في عالم اليوم، هناك لحظات تتجاوز الظاهر لتكتسب أهميتها من ما تختزنه خلف ستارها؛ لحظات لا تقاس بما يُرى، بل بما يُستشرف من تأثيراتها على المستقبل. اللقاء الأخير بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واحد من تلك اللحظات التي تحمل في طياتها إشارات لا يمكن تجاهلها؛ نقطة التقاء مشروعَي نفوذ، لكل منهما طموحاته وحساباته، هذه الحاجات هي التي ترسم ملامح المنطقة وربما العالم القادم.

منذ ظهوره على المسرح السياسي، لم يُخفِ ترامب أن رؤيته للعالم لا تقوم على القيم أو المؤسسات، بل على الصفقات والعوائد المباشرة. بالنسبة له، لا يمثل بن سلمان شريكاً استراتيجياً بمعناه التقليدي، بل هو «رافعة نفوذ»؛ زعيم شاب أعاد ترتيب مفاصل السلطة السعودية بسرعة غير مسبوقة، ومستعد لدفع الثمن نقداً مقابل أي صفقة كبيرة. في عيون ترامب، تتحول زيارة ولي العهد السعودي إلى فرصة لإنتاج مشاهد تجذب الإعلام العالمي وتدعم السرد السياسي، فثمة هنا وليمة دسمة: عقود ضخمة، استعراضات إعلامية، وإعلانات سريعة عن «انتصارات» ملموسة.

لكن المشهد أكثر تعقيداً على الضفة الأخرى. فبن سلمان يقود أضخم إعادة هندسة للسلطة في تاريخ السعودية الحديث؛ هذا الرجل يقود مشروع جريء محفوف بالمخاطر يتطلب منه مزيجاً دقيقاً من الأمن الداخلي الصلب والغطاء الدولي. من هذا المنطلق، يبدو ترامب، بحضوره القوي وتأثيره الإعلامي، أداة يمكن أن توفر الاثنين معاً؛ غطاءً دولياً وأماناً نسبياً، من دون الانشغال بالأسئلة الأخلاقية أو المؤسساتية التي عادة ما تفرضها بيئة السياسة والإعلام في واشنطن.

وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن السعودية نفسها باتت تتصرف بثقة أكبر على المستوى الإقليمي. فالمملكة تجاوزت الكثير من «الخطوط الحمر» التي يتجنبها قادة دول أخرى، وبدأت تقترب من الملفات الكبرى بجرأة محسوبة، سواء في الاقتصاد أو الطاقة أو الأمن. هذه البراغماتية الجديدة ترى في كل فرصة مساحة للتحرك، لا عبئاً أو مخاطرة. ومن هذا المنظور، يمكن قراءة لقاء بن سلمان وترامب كجزء من رؤية سعودية تسعى لصياغة دور أوسع، لا كمجرد تفاعل ظرفي مع شخصية مثيرة للجدل في واشنطن.

ومع ذلك، يكمن جوهر التوتر في طبيعة العلاقة بين الرجلين؛ فهي ليست تحالفاً استراتيجياً متيناً بقدر ما هي صفقة متبادلة للبقاء السياسي. كل منهما يدرك أن الآخر قادر على منح “نصراً سردياً” يخدم أجندته الداخلية. ترامب يستطيع أن يقول بفخر: «لقد عقدت اتفاقاً تاريخياً مع السعوديين»، بينما يمكن لولي العهد السعودي أن يردّ: «أقوى رجل في أمريكا يقف إلى جانبنا». لكن هذه الديناميكية ليست خالية من المخاطر، فكل طرف قادر، في لحظة حاسمة، على تجاوز الآخر؛ إذ لا تقوم العلاقة اليوم في التاريخ الحديث على مؤسسات، ولا على قيم ثابتة، بل على مصالح آنية قد تتغير في أي لحظة، ولنا “دون مقايسة مباشرة من ناحية المكاسب” في تجربة سقوط النظام في سوريا خير دليل.

ففي حال انقلبت الأوضاع السياسية في واشنطن ضد ترامب، لن يكون هناك من يقف لحماية هذه العلاقة، فهي قائمة على حسابات قصيرة المدى غير مستقرة. العلاقات المبنية على تفاهمات شخصية، مهما كانت باردة أو حارة، لا تصنع نظاماً إقليمياً مستداماً، بل قد تزيد من هشاشة هذا النظام وتعقيداته.

فاللقاء الأخير بين ولي العهد السعودي ورئيس الولايات المتحدة رغم حرارة الصور والابتسامات الظاهرة، يخفي وراءه واقعاً مختلفاً: التقاء مشروعين شخصيين، كل منهما يسعى لترسيخ موقعه، بينما الكلفة الحقيقية لا تتحملها واشنطن التي يمر ترامب فوق مؤسساتها كما لو أنها مسرح عابر، ولا الرياض التي تبحث عن موقع جديد في الإقليم، بل تدفعها المنطقة أولاً، وتدفعها أيضاً الولايات المتحدة التي يختصر فيها ترامب تاريخها السياسي ويجعل منه مجرد خلفية لصوره الإعلامية.

Amjad Abuarafeh

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews