زخم دبلوماسي جديد في مفاوضات السلام الأوكرانية

سارة جودي – مراسلين
تشهد الأزمة الأوكرانية الروسية منعطفا جديدا بعد محادثات جنيف الأخيرة، التي جمعت وفودا من الولايات المتحدة وأوكرانيا وعددا من الدول الأوروبية، في محاولة لإعادة فتح مسار السلام بعد أشهر من الجمود والتصعيد العسكري. ورغم الأجواء الإيجابية الحذرة التي رافقت الاجتماعات، فإن الفجوة بين مطالب الأطراف لا تزال واسعة، ما يجعل الوصول إلى اتفاق نهائي بعيدا عن المتناول.
ورحّب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بما وصفه بـ”الخطوات الحساسة” التي نجحت بلاده في تضمينها ضمن إطار النقاشات مع الجانب الأمريكي، مؤكدا خلال مؤتمر افتراضي أن “هناك تقدما، لكن لتحقيق سلام حقيقي، لكن يحتاج إلى المزيد”.وفي الوقت نفسه تسعى واشنطن إلى دفع الأطراف نحو اتفاق سريع يضمن تهدئة الصراع وتقليل التكلفة الاستراتيجية على المدى الطويل. غير أن هذه المقاربة قوبلت بانتقادات داخل أوكرانيا وفي أوروبا، حيث ينظر إلى بعض بنودها كتعديل الحدود أو فرض قيود عسكرية على كييف، باعتبارها تنازلات قد تضعف الدولة الأوكرانية مستقبلا
في حين يريد الجانب الروسي اتفاقا يحفظ المكاسب الميدانية والسياسية، ويضمن تراجع أوكرانيا عن مسار الانضمام إلى الناتو. ولذلك رفضت الكرملين الصيغة الأوروبية المعدّلة معتبرة أنها “غير بناءة”، في حين أبدت مرونة نسبية تجاه بعض المقترح الأمريكي الذي يمكن مناقشته مستقبلا. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد اعتبر نهاية الأسبوع الماضي، أن الخطة الأمريكية قد تشكل أساسا لحل سياسي، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن القوات الروسية ستواصل تقدمها إذا رفضت كييف المقترحات المطروحة.
على الجانب الأوروبي تبدو الصورة أكثر تعقيدا، فالاتحاد الأوروبي يرحب بأي تقدم في محادثات السلام، لكنه يخشى أن يؤدي اتفاق هش إلى تهديد طويل الأمد لأمن القارة. لذلك تؤكد دوله الكبرى كألمانيا وفرنسا، أن أي خطة سلام يجب أن تراعي سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، وأن تكون أوروبا شريكا كاملا في صياغة الاتفاق، لا مجرد طرف مصادق عليه. فأوروبا تدرك أن أي حل يتجاهل مصالحها سيتركها وحدها في مواجهة تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية قد تستمر سنوات.
ولم تخفي تركيا رغبتها في لعب دور وسيط فعال، مستندة إلى علاقاتها المتوازنة مع الطرفين. فهي ترى في نجاح الوساطة فرصة لتعزيز موقعها الإقليمي والدبلوماسي، خصوصا مع إعلان استعدادها لدفع الحوار المباشر بين موسكو وكييف.
رغم التصريحات والزخم الذي أثارته اجتماعات جنيف، تبدو الطريق إلى اتفاق نهائي مليئة بالعقبات في ظل خلافات جوهرية حول وضع الأراضي المحتلة، مستقبل الأمن الأوروبي، وضمانات السيادة الأوكرانية. وبينما تتقدم المناقشات بخطوات صغيرة، يتواصل القلق الدولي من أن أي تسوية لا تحظى بتوافق شامل قد تؤدي إلى هدنة هشة أو تعيد إشعال النزاع لاحقا، لكن قد يكون الزخم الحالي فرصة للعودة بالأطراف إلى المسار الدبلوماسي الذي جمدته الحرب.



