مقالات

من التراب الذي يعلّم الصبر… إلى السماء التي تكافئ المجتهدين

أنس الشيخ أحمد – مراسلين

الحكاية الكاملة لعلاء محمد صلال

ميلاد في أرضٍ تصنع الرجال قبل أن تصنع الحكايات

في الريف السوري، حيث لا شيء يُمنح بلا مقابل، وحيث يتكوّن الرجال من خليط القسوة والبركة، وُلد علاء محمد صلال. خرج إلى الدنيا وفي يده حفنة تراب وفي قلبه بذرة مسؤولية لم تكن على مقاس طفولته. في قرية بابولين، ريف إدلب وبين الحقول التي تُشقّ بسواعد الفلاحين، بدأت قصة كان قدرها أن تمتد من حارة ترابية صغيرة… إلى سماء الطيران الواسعة.

طفولة فوق طاقة الطفل وظهر صغير يحمل الأثقال

كبر علاء وهو يتعلّم المرجلة قبل الأبجدية. حمل أكياس العتالة الثقيلة، وجمع الكرتون والمعادن من الشوارع، يبيعها بثمن بسيط يعين أسرته. كانت يداه أصغر من الحِمل، لكن قلبه أكبر من الظروف. لم تمنحه الحياة مساحة للّعب، بل منحته المزيد من الواجبات التي تزداد ثقلاً كلما كبر يوماً آخر.

رحيل الأب… اللحظة التي صنعت رجلاً

حين خطف المرض أباه، دخلت العائلة في صمت موجع، ووجد علاء نفسه الأب البديل في بيتٍ فقد عموده الأكبر. استيقظ في صباح الفقد على مسؤولية أكبر من عمره، يحمل همّ البيت على كتفيه ويخفي دموعه خلف بوابة صلابته.

الجامعة… نافذة صغيرة على مستقبل كبير

ورغم الليل الثقيل والعمل المستمر، لم يتخلَّ عن حلم التعليم. دخل جامعة حلب ليدرس اللغة الإنجليزية، عاش سنواتها على إيقاع متعب: طالب يصغي للأساتذة صباحاً، وعامل يكدّ ليلاً. كانت شهادته يوم تخرّجه ثمرة نضجت من شجرة صلبة، لا من رحلة سهلة.

العائلة الإنسانية… من خيمة نازح إلى يدٍ ممتدة للجميع

عندما اشتعلت الحرب، لم يقف على الهامش. دخل معترك العمل الإنساني، يوزّع المساعدات، يسجّل قوائم النازحين، ويمسح الغبار عن وجوه الأطفال. كان يرى نفسه فيهم، ويرى أمّه في كل امرأة تنتظر الخبز. تحوّل العمل الإنساني من مهمة مؤقتة إلى رسالة لها جذورها في قلبه.

جمعية العائلة… حين يصبح التكافل مؤسسة

أسس جمعية عائلة التي لم تكتفِ بدعم المرضى والأرامل والطلاب، بل أسهمت في بناء مسجد جديد وترميم آخر، ودعمت مدرسة ريفية بلوازمها الأساسية. كانت الجمعية امتداداً لقيم الأب الراحل، وترجمة لروح التعاون التي تربى عليها.

صندوق التنمية… توسيع دائرة البذل

شارَك في مبادرات صندوق التنمية، مساهماً في دعم مشاريع مجتمعية، وتأمين تجهيزات للمدارس والمراكز الصحية، وتدريب الشباب. كان العطاء بالنسبة إليه مسؤولية عامة، لا ترفاً ولا شعاراً.

التهجير… ذاكرة تمشي على قدمين

تعددت موجات التهجير، وتبدلت الأماكن، لكن عزيمته بقيت ثابتة. تنقّل بين المخيمات والمناطق الجديدة، يعمل في فرق الإغاثة، يدوّن الاحتياجات، ويعيش مع الناس قصصهم التي تشبه قصته. في كل خيمة كان يترك أثراً، وفي كل خطوة كان يضيف حكمة جديدة لرحلته.

مرحلة التحرير… بداية البناء الحقيقي

ومع تحرير أجزاء من الشمال السوري، بدأت مرحلة جديدة من العمل المؤسسي. مؤسسات تُبنى من الصفر، وإدارات تحتاج لمن يعرف معنى المسؤولية. كانت هذه المرحلة فرصة ليضع خبرته في خدمة بناء وطنٍ جديد.

خطوة نحو السماء… الدخول إلى هيئة الطيران المدني

دخل عالم الطيران المدني في مرحلة حساسة، فتسلّم إدارة العلاقات العامة في هيئة الطيران المدني، ثم انخرط في إدارة المطارات، مشاركاً في وضع الإجراءات والتواصل مع المنظمات الدولية، وبناء صورة مؤسسة ناشئة في بيئة مليئة بالتحديات.

من الريف إلى قاعات العالم… حضور دولي لافت

شارك في مؤتمرات عربية ودولية، واجتمع مع ممثلي شركات طيران عالمية، حاملاً همّ المنطقة وصوتها. كان يقف بثقة رجل يعرف أنه لم يصل صدفة، بل وصل لأنه قطع طريقاً طويلاً بدأ من الحقول الترابية، وانتهى في قاعات القرار الدولي.

من الألم… إلى الأمل… إلى النجاح

وهكذا اكتملت الرحلة. رحلة خرجت من قسوة التراب، وعاشت وجع التهجير، وكتبت فصولاً من الإنسانية والعمل، ثم ارتفعت نحو نجاح يستحقه أصحاب البدايات الشاقة.

قصة علاء محمد صلال ليست مجرد سيرة شخصية، بل شهادة أن من يولد في أرضٍ قاسية يستطيع أن يصنع لنفسه مكان مميز.

Rita Abiad

صحفية وباحثة في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، مهتمة بتغطية الأخبار الرياضية وتحليلها بالإضافة الى خبرة في إدارة منصات التواصل الإجتماعي وانتاج محتوى تحريري بدقة عالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews