صحة و جمال

بريطانيا تواجه إنفلونزا قياسية: 2,660 حالة يوميا ترهق النظام الصحي البريطاني

جودي سارة ـ مراسلين

تشهد المملكة المتحدة خلال هذا الشهر موجة إنفلونزا وصفت بأنها غير مسبوقة من حيث السرعة والحدة، ما وضع النظام الصحي البريطاني (NHS) أمام ضغط استثنائي، أعاد إلى الواجهة أسئلة عميقة حول جاهزية الأنظمة الصحية العامة في أوقات الأزمات المركبة. فقد نقلت صحيفة لوموند، اعتمادا على أرقام رسمية من هيئة الصحة البريطانية، أن عدد الحالات ارتفع بنسبة 55 ٪ في أسبوع واحد، مع معدل يقارب 2,660 مريضا يوميا، وهو رقم غير معهود في هذا التوقيت من السنة. هذا الارتفاع الحاد لا يقرأ فقط كظاهرة وبائية موسمية، بل كمؤشر على اختلال تراكمي في التوازن بين الطلب الصحي والقدرة الاستيعابية للمؤسسات العلاجية، خصوصا في ظل معاناة الـNHS أصلا من أزمات بنيوية تتعلق بنقص الكوادر وطول فترات الانتظار.

وأشارت صحيفة الغارديان إلى أن الموجة الحالية مرتبطة بانتشار سلالة متحوّرة من فيروس الإنفلونزا A (H3N2)، أو كما تسمى بالإنفلونزا الفائقة (Super Flu)، نظرا لقدرتها العالية على الانتشار وبداية ظهورها المبكرة مقارنة بالمواسم السابقة. ويؤكد خبراء الصحة كما نقلت الصحيفة، أن ضعف المناعة المجتمعية بعد سنوات جائحة كوفيد-19 أسهم في جعل فئات واسعة من السكان أكثر عرضة للإصابة، بما في ذلك الأطفال وكبار السن. ووصفت المديرة الطبية الوطنية لهيئة الصحة البريطانية الوضع الحالي بأنه »أسوأ وضع ممكن« لهذا الوقت من السنة، في ظل امتلاء أقسام الطوارئ، وارتفاع الطلب على سيارات الإسعاف، وتزايد الضغط على الطواقم الطبية. وقد حذر مسؤولون صحيون من أن الجمع بين موجة الإنفلونزا الحالية ونقص الموارد البشرية قد يدفع النظام الصحي إلى حافة العجز الوظيفي.

في هذا السياق المتأزم برزت مسألة إضراب الأطباء المقيمين كعامل مضاعف للأزمة. فقد ذكرت جريدة لوموند الفرنسية أن رئيس الوزراء كير ستارمر ووزير الصحة ويس ستريتينغ دعوا الأطباء إلى تعليق الإضراب المقرر قبيل عيد الميلاد، معتبرين أن توقيته قد يعرض حياة المرضى للخطر. ورغم تأكيد الحكومة احترامها لحق الإضراب، فإن خطابها السياسي ركز على البعد الأخلاقي والمسؤولية الجماعية في زمن الطوارئ الصحية. في المقابل ترى النقابات الطبية أن الأزمة الصحية لا يمكن فصلها عن تدهور ظروف العمل والأجور، وأن الضغط المتواصل دون حلول جذرية قد يفاقم هجرة الكفاءات من القطاع العام، ما يعني أن الأزمة الحالية ليست طارئة بل هي أعمق من ذلك

رغم إجماع السلطات الصحية على أهمية التطعيم ضد الإنفلونزا، لكن نسب التلقيح خاصة بين العاملين في القطاع الصحي وبعض الفئات الهشة، ما تزال دون المستوى المطلوب. هذا الخلل في التغطية الوقائية يحد من قدرة المجتمع على كسر العدوى، ويجعل المستشفيات نفسها فضاءات محتملة لانتقال الفيروس بدل أن تكون فقط أماكن للعلاج. ويؤكد خبراء الصحة أن اللقاح هو الأكثر فعالية إلى حد الآن في تقليل الحالات الشديدة والوفيات، ما يجعله أداة مركزية في إدارة الأزمة لا يمكن الاستغناء عنها.

تكشف موجة الإنفلونزا الحالية في المملكة المتحدة عن أزمة مركبة تتداخل فيها العوامل الصحية، والمؤسسية، والسياسية. فهي ليست مجرد ظاهرة وبائية عابرة، بل اختبار لقدرة الدولة على إدارة الصحة العامة في زمن تتكاثر فيه الصدمات. والتعامل مع هذه الأزمة يتطلب مقاربة شاملة تجمع بين الوقاية الصحية، واحتواء التوتر الاجتماعي، وتعزيز صلابة النظام الصحي على المدى المتوسط والطويل.

Rita Abiad

صحفية وباحثة في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، مهتمة بتغطية الأخبار الرياضية وتحليلها بالإضافة الى خبرة في إدارة منصات التواصل الإجتماعي وانتاج محتوى تحريري بدقة عالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews